الأحد، 21 مارس 2021

وأعدوا لهم ما استطعتم

 وأعدوا لهم ما استطعتم.

بقلم: مسعود جبارة

قد يصل عدد العاملين في المنشآت النفطية بضع مئات من موظفين ومتعاقدين( تجاوز العدد معي ذات مرة أكثر من 300 عامل ) من شركات متعددة، وجنسيات مختلفة وتخصصات متنوعة من الحفر والانتاج والصيانة الميكانيكية والكهربائية والالات الدقيقة ومشاريع الهندسة المدنية للتطوير والتوسعة.. الخ

وعادة ما تقع محطات الانتاج النفطي في مناطق معزولة ونائية، إما في مناطق جبلية أو في الصحاري البعيدة أو في أعالي مياه البحار ، ويقيم الجميع ويتحركون في مساحة ضيقة جدا لمنصة كالبناية الشاهقة. تتعايش هذه الجموع من العاملين بالفكر والساعد في مجتمع حصري على الذكور وفي عزلة عن الأهل والأبناء وكل العالم لمدة قد تصل إلى أربعة أسابيع. .. 


وتقع على مدير الحقل مسؤولية كبرى لحفظ السلم في مثل ذاك الوسط، بالاعتماد فقط على حكمته وحنكته في إدارة الخلافات وحل المشاكل، إذ لا شرطة ولا أعوان معه لحفظ الأمن....كما يقع عليه أيضا حفظ منظوريه وسلامتهم الشخصية وسلامة تلك المنشآت التي تتكلف على الدولة وشركاتها بمئات الملايين من الدولارات. 

كنت ذات يوم من سنة 1985 في تربص تدريبي بمدينة مرسيليا، جنوبي فرنسا، عن أمن وسلامة المنشآت الصناعية والنفطية. كان ذلك أحد المتطلبات الرئيسية لمن سيدير منشآت نفطية هامة وحساسة ورافعة أساسية للقطاع الاقتصادي.

ويتضمن البرنامج، إلى جانب الدروس النظرية الضرورية، أياما للتدريب العملي بالممارسة ودعم التجربة بالتطبيق. وتحاكي معدات التدريب  المعدات الحقيقية. فتجرى التدريبات العملية على خزانات قديمة لمصفاة النفط و تكريره أو  على هيكل حديدي لسفينة قديمة راسية في جهة من الميناء. ...

كوننا فريق إطفاء من أربعة متدربين تحت إشراف مسؤول كبير برتبة عسكرية عالية من مؤسسة الدفاع المدني لمدينة مرسيليا ( les sapeurs pompiers de Marseille ) الشهيرة، ذائعة الصيت في مكافحة حرائق الغابات والتدخل السريع لانقاذ المصانع والمعامل عند الكوارث والحالات الطارئة.  


كان التدريب يقضي بإطفاء حريق شب داخل غرف ومحركات سفينة قديمة، كان قد تم إشعاله داخلها للغرض، بصب كمية محددة من الديزل .. يستعد فريق الإطفاء للعملية بلباس خاص يغطي كامل الجسم من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، (بزة صنعت من مادة تتحمل ألسنة اللهب وحرارتها)،  وتحته ملابس داخلية قطنية. فيصبح الواحد منا لا يقدر على التحرك إلا بصعوبة وكأنه في كفن. و حتى قبل بذل أدنى جهد، يبدأ العرق يرشح من كل مكان في جسمه و يتصبب أودية وأنهارا تنتهي في ملابس القطن وتتسرب إلى القدمين داخل حذاء السلامة. 


وتنطلق عملية الإطفاء بتحرك أعضاء الفريق بمشقة بالغة، الواحد تلو الآخر، من غرفة إلى أخرى وقد اسودت جدرانها وغمرت المياه المتسخة أرضيتها ، ثم بالانتقال من طابق إلى آخر عبر سلم حديدي وقد تبلل بالزيوت والمياه، ويتم إطفاء النار بضخ رغوة كثيفة عليها لعزل المحروق عن الهواء وما معه من اوكسيجين.. وقد غزا المكان دخان كثيف جدا..

 أتم زملائي الفرنسيون الثلاثة ما أوكل لهم من أدوار قبلي وانسحبوا. وجاء دوري لأنجز المهمة كاملة، وقد ملء الدخان كل الأجواء داخل السفينة وخاصة المناطق العليا منها ، إذ أن غاز الكربون أخف من الهواء، حتى كاد ينقطع الاكسيجين من فضاء الغرف مما اضطرني إلى الزحف لاستنشاق ما تبقى من هواء.. كاد ينقطع نفسي وأنا أعالج النار دون فائدة، في محاولات متكررة لإطفائها بمواصلة رشها بالرغوة. 

طالت المدة دون الوصول إلى النتيجة المرجوة.. وبلغت القلوب الحناجر.. و بعد أن كان المسؤول بالخارج ويطل من حين لآخر لمراقبة العملية،  سارع بالدخول واللحاق بي لمساعدتي غير أن تدخله لم يأت بأي نتيجة.. وبعد أن لاحظ أن النار تزداد توقدا و اشتعالا، جاء قراره بالانسحاب زحفا إلى الخارج وقد اشتد بنا السعال، وأصبحنا قاب قوسين من أن نفقد الوعي إثر التسمم بالدخان. 


وبينما، استلقيت أرضا مغشيا علي فوق الرصيف، خائر القوى، بالكاد ألتقط أنفاسي، شك مرافقي في الأمر، فسارع إلى الجهة التي تغذي السفينة بالديزل... ويا هول ما اكتشف.. وجد شخصا يقهقه ثملا، وبين يديه قارورة يحتسيها ويردد " عربي نجس"... وقد فتح سنبور الديزل ويواصل تغذية النار باستمرار...

قد تأخذ كل الاحتياطات لمن يواجهك برجولة، فتستعد لمن يأتيك من الأمام، لكن الجرذان والعنصريون وحدهم يتسللون ليطعنوك من الخلف..

20 مارس 2021.

الأحد، 27 ديسمبر 2020

هل استنفذت النهضة أغراضها ؟

بقلم م. مسعود جبارة.

18اكتوبر 2019.

استفزني إلى حد الإيلام أن يسبقنا المترشح للرئاسيات قيس سعيد في الدعوة إلى نظافة الذمة وطهارة النفس ومقاومة الفساد قولا وفعلا، بالدعاية وبالقدوة.. وقد جنت علينا براقش الفصل والتبرؤ من الدعوي... ورغم ذلك الوجع الخفي، كبر الرجل في عيني وازددت احتراما له وتقديرا لوضوح مواقفه ومباشرتها، كما أعجب به الناخب التونسي فاجمع على اختياره.


ثم زاد في استفزازي أن يستكثر بعض إخواني على الرئيس قيس سعيد تواضعه وقراره عدم الانتقال إلى السكن في القصور الرئاسية الفخمة بغرفها الفسيحة ومطاعمها الفاخرة. واختار أن يسعه بيته -خارج اوقات العمل- حيث قال أنه يفضل البقاء بين أهله وجيرانه، في حيه الشعبي، يمشي في شوارعه وأزقته، و يرتاد مقاهي مدينته وأسواقها ومساجدها وقد يحضر من حين لآخر العروض السينمائية والمسرحية  في دور الثقافة ومع جمهور المواطنين . .

 فإذ تخلفنا ولم نسبقه إلى الخير، فلا أقل من أن نصمت ولا نزيد من ترسيخ صورة ذهنية وتتدعم كل يوم أننا أصبحنا جزءا من منظومة (السيستام) الشد الى الوراء..

أستغرب أن أحدا من نواب الشعب وخاصة الكتل الكبرى، بكل ألوانهم الفكرية، وبعد ثلاث دورات نيابية متتالية لبعضهم، لم يطرح  ولاينوي اقتراح مشروع قانون لمراجعة استحقاقات الوزراء وامتيازاتهم،  وكذا المدراء العامين للمؤسسات الكبرى، نحو تقليصها لتستوي رواتبهم مع السلم الوظيفي للمعلم والموظف العمومي.. نواب أعجبهم التمترس وراء قانون الحصانة سيء الذكر ويتمسكون به، هل من طموحاتهم أو أحلامهم، أن يسود نظام دولي عادل وبدون امتياز الفيتو...

وأستهجن أن أربعة رؤساء أجلستهم الثورة على كرسي قرطاج، ورغم ذلك فرحوا بميراث بن علي واستمتعوا بالامتيازات التي فصلها المستبد الفاسد لنفسه.. واستنكر أن أجهزة الدولة لم تقم بإيقاف ذاك الراتب الضخم، وقطعه عنهم تماما، بما أن الرئيس  يحظى بخدمات مجانية في السكن والمأكل والمشرب والتنقل خلال مدة حكمه، وأنه لا يستحق ذات المبلغ بعد خروجه. 

استثارني أيضا سلوك العديد ممن أعرف من القيادات السياسية والحزبية عندما استؤمنوا على وزارات وإدارات لمؤسسات هامة فأظهروا حبا للفنادق وراحتها، والمكاتب العريضة وفخامتها، والأسفار الكثيرة على الدرجة الاولى. وفي المقابل، تمعضا من زهد المرحوم الدكتور منصف بن سالم وحرصه على التنقل الى مكتبه الوزاري على شاحنته الخاصة.

لقد جاءتنا فرصة تاريخية لإعادة توجيه الناس نحو غاية الوجود والخلق، عبادة الله وحده، بممارسة صحيحة لوظيفة الاستخلاف وذلك بإعلاء قيم العدل والإنصاف وزرع الأخلاق الإسلامية في حياتهم، وإثبات، بالدليل العملي، أن شريعة الله هي الأنسب للانسانية..فأضعناها وفرطنا فيها بركوننا إلى الدنيا وارضاء هوى هارون وهامان رغم سقوط فرعون.

هل فعلا مازال الخلفاء الراشدون وصحابة رسول الله (صلعم) نماذج يلهمون أبناء مشروع الإحياء الاسلامي في هذا العصر ؟ ولماذا توقفت قيادات، رغم أنها تربت في أحضان الإتجاه الإسلامي وأدبياته، عن الاقتداء باؤلئك الحكام من المسلمين الأوائل في العصر النبوي والخلافة الراشدة، بل هل تخلت حتى عن الاهتداء بأخلاقهم و محاكاة صفاتهم وتقليد أدائهم نجاعة وكفاءة..بل لم يوفقوا حتى في اتباع وزراء الدول الاسكندينافية ونهجهم في الحكم وبساطة عيشهم بين الناس..

ألم تستقطب شباب حركة الاتجاه الاسلامي أدبيات تمجد وفاء الخليفة الأول أبي بكر واخلاصه لصاحبه و للرسالة ومبادئها الإنسانية، ثم حزمه في مواجهة الردة وتحديات الحكم، وتعلي شأن عدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و مع قوته كان انصافه وتفانيه في خدمة رعيته ومواطنيه وانصاته للمرأة والطفل، في المسجد وفي الأحياء، قريبا منهم يستمع إلى نبضهم ويخدمهم ليلا ونهارا... وكذلك كان ورع الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وحكمة سيدنا علي بن أبي طالب وشجاعته، وزهد الخليفة الخامس عمر ابن عبدالعزيز وازدهار اقتصاد دولته.

ألم يجتمع شباب تأسيس الصحوة الأولى في تونس حول هذه المبادئ الاسلامية التي بها صارعنا الفكر اليساري فصرعناه.. فإن ابتغينا العز في غير ذلك من براغماتية بجرعة زائدة وتزلف مبالغ للثقافة السياسية السائدة، لماذا نستكثر على شباب اليوم  تشوقه إلى الحرية والكرامة على منوال أبي ذر ؟

قوموا إلى دولتكم بناء وتنمية وإلى خدمة شعبكم بتواضع وتودد. يرحمكم الله. 

 {... وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}. (38) سورة محمد.

#الشعب_أراد و #لاتوافق_مع_الجراد. 

#نعم_للثورة #لا_للحصانة

الخميس، 17 ديسمبر 2020

الحيلة في ترك الحيل.

 بقلم مسعود جبارة

يروى أنه كان في بلد العم سام، رجل قانون يعمل ك محام أو يقوم المقام.  قرر ذات مرة أن يتذاكى، ففكر وقدر عند اليقظة وقبل المنام.

كان صاحبنا مدخنا وعلى جميع أنواعه مدمن، فعزم واشترى علبة سيجار نادرة جدًا وباهظة الثمن، ثم قام بتأمينها تأمينا شاملا ضد الحريق وكل حوادث الزمن. 

وبعد شهر و إتمام تدخينه كامل العلبة بيده الشمال أو اليمين، رفع دعوى ضد شركة التأمين، مدعيًا أن السيجار قد تم


تدميره، "في سلسلة من الحرائق الصغيرة".

 وبطبيعة الحال نزلت الدعوى على شركة التأمين كقذيفة مدفع، فتفاجأت واستغربت واستهجنت ورفضت الدفع، بحجة أنه استهلك السيجار بالطريقة العادية، وأن المدعي لا يعدو أن يكون مختلا أومحتالا وشكواه سادية. 

رفع المحامي دعواه إلى المحكمة وفاز. إذ خلص القاضي إلى عدم وجود أي ابتزاز. وهو محق حسب بنود العقد، وعلى الشركة التعويض وتسليمه حالا النقد.  لقد وجد القاضي أن شركة التأمين مسؤولة،  و حكم بالتعويض عن الحريق- حسب صياغة البوليصة - بمبالغ مالية معقولة، لأن الشركة قد فشلت في الحد من مسؤوليتها من خلال تحديد ما يمكن أن يكون بمثابة "حرائق غير مقبولة".


التزمت الشركة بمقتضى الحكم ولم تقابله بالرفض أو الاستخفاف، وبدلاً من أن تتحمل تكاليف رفع القضية إلى الاستئناف ، فقد دفعت له من الدولارات عشرات ألآلاف.. لكنها وبعد أن أتمت الإجراءات أبلغت الشرطة. فقد أثبتت عليه عملية الحرق وصار صاحبنا في ورطة. فتم القبض عليه  وعومل بصرامة،  وأدين في 24 تهمة إحراق ممتلكات مؤمنة عمدا، وحكم عليه في كل واحدة منها بالسجن لمدد طويلة وغرامة. 

 

جاء في لامية ابن الوردي:


 أطلبُ العِلمَ ولا تكسَلْ فمـا * * * أبعـدَ الخيرَ على أهـلِ الكَسَلْ

واهـجرِ النَّومَ وحصِّلهُ فمنْ * * * يعرفِ المطلوبَ يـحقرْ ما بَذَلْ

لا تـقلْ قـد ذهبتْ أربابُهُ * * * كلُّ من سارَ على الدَّربِ وصلْ


كــمْ شـجـاعٍ لــم يـنـلْ فيهاالمُـنـى::: وجـبــانٍ نــــالَ غــايــاتِ الأمــــلْ 

فـاتــركِ الحـيـلـةَ فـيـهــا واتَّــكِــل:::ْ إنـمـا الحيـلـةُ فــي تـــركِ الـحِـيَـلْ 

أيُّ كــفٍّ لــمْ تـنـلْ مـنـهـا الـمُـنـى ::: فـرمــاهــا اللهُ مـــنـــهُ بـالـشَّــلَــلْ 


م.ج. 15/12/2020

قمة الحميرية مع حمير القمة

 بقلم مسعود جبارة

المكان المناسب للحمار هو في مربط الحمير، وأن يقاد بلجام ويقيد بحبل قصير؛ الرباط يمنعه من الهروب، والقيد يحد من حركته ليعود مع الغروب. فإن حظي بزريبة مغطاة و أعطي القزاح والشعير، فمولاه رؤوف وصاحب ضمير. 
والأصل أن يربط الحمار في الإسطبل، فالحمير حمير بعد الثورة كما كانوا من قبل.

لكن بلدا اتخذ من الديمقراطية شعارا، قرر ذات سوق انتخابي أن يشتري حماراً ..ومن كبير فرحته به، قرر أن يرفعه إلى سطح القلعة نهارا. لم تنفع معارضة السكان و الأهل، ولا نُصحهم ألا يغادر الحمار الأرض و السهل. فالحمار عند هؤلاء فاقد للعقل، وأنه لا يصلح سوى للحملِ والنّقل، وربما استخدم لفلاحة الحقل.


لكن البلد أغدق على الحمار بدلال يظهره ويبديه ولا يخفيه،  فصار يختار له أطيب أنواع العلف ويقربه إلى فيه، ولا يبخل عليه بأجواء التسلية والترفيه. ثم بدؤوا يعرّفونه من فوق السطح على منطقتهم، وبذلوا في ذلك كل جهدهم وطاقتهم، حتّى يتعرّف على كل زقاق ودرب، عسى أن ينفعهم في زمن السلم والحرب، ويسهر على راحة القطيع والسرب..

وفي آخر النهار أرادوا أن يُنزِلوا الحمار من فوق السطح، فلم يقبل الحمار النّزول من برجه ومد قوائمه وانبطح، ثم وبعد الإلحاح بدأ بالدق وبالرفس والشطح، فيصك هذا ويرفس ذاك ويهاجم الآخر بالعض والنطح. توسّلوا له وحاولوا سحبه، فعاند ولم يقبل أبداً النزول عند رغبة شعبه. ومازال يدق السقف الخشبي رافضا التوقف، ولم ينته إلا عندما سقط به السقف. ولم يسلم أحد ولا شيء مع انهيار الشقف.
هكذا تكون نهاية من يصر على اغتصاب القمة، ومن يرى أن الحميرية ليست مذمة. من المتزلفين والمهوسين بالأضواء والاستغراض، فماتوا مع من مات تحت الأنقاض، ولم ينج إلا من تبرأ و غادر حفاظا على نسله من الانقراض.

#حمير_القمة
#قمة_الحميرية
6 ديسمبر 2020

الحياة ودروسها...والعلم " اللدني"

 بقلم: مسعود جبارة

استيقظت من نومها على حركة دبت في البيت.. واشتعل النور الكهربائي..  قامت من فراشها تفرك عينيها.. تمططت ثم تلمست بعض أطرافها وحكت جلدها وأبعدت شعرها المنكوش عن مجال بصرها. ثم نزلت من سريرها.. استنجدت بأمها لتغسل لها وجهها. فهي لم تتمم سنتها الثالثة من عمرها..  قدمت لها تلك الخدمة على عجل لأن اهتمامها كان ينصب في التحرك بسرعة بين غرف النوم وبيت الحمام والمطبخ وقاعة الجلوس. وكل شغلها في ذاك الصباح الباكر ، وككل يوم، كان ترتيب الفراش واحضار فطور الصباح، واختيار الملابس المناسبة لأخيها ذي الست سنوات، والذي التحق بالسنة الأولى ابتدائي قبل شهور، وهو يستعد للذهاب للمدرسة ككل يوم.

اشرأبت برقبتها فلم تسعفها قامتها القصيرة لترى ما فوق الطاولة. لم يبلغ بصرها مداه، فحدقت ب عينيها إلى أخيها وأمها وهما في حركة متواصلة من مكان إلى مكان. الأولى تأمر وتنهر وهو يصيح تارة وأخرى يحتج وينتفض.. وهي تتابعهما ببصرها وتتبعهما حيثما تحولا..


استغربت لماذا تصر الأم على خروج ابنها في هذا اليوم الشتوي القارس ومغادرته دفء البيت بل وإرساله إلى أماكن يبدو أنه ليس راغبا في الذهاب إليها. هناك سيحصر في مكان ضيق طول اليوم ويجبر على المكوث على كرسيه الساعات الطوال.
لماذا تصر أم على إجبار ابنها على ما يكره، وارساله إلى غرباء قد ينهرونه أو يسيئون معاملته وقد يعتدي عليه أحدهم أو يضربه الأقران. فكم مرة يعود وقد افتك منه أحدهم أدواته وألعابه أو رجع بأدباش متسخة بالحبر والغبار.. ولن تنسى يوم عاد باكيا وبعض زرقة حول عينه بعد حادث تعرض إليه.

رأسها الصغير يكاد ينفجر، عجز عن تفهم هذا السلوك الغريب المستهجن من أحن الناس وأرأفهم. ومن أرحم من الأم على ولدها. ؟. تشعر بالإلحاح داخلها يزداد ويضغط عليها فلم تتحمل ولم تصبر. تريد أن تجد تفسيرا لهذا التناقض الصارخ فلا تجده وترغب في التمرد والاحتجاج والرفض..

دارت الأيام دورتها، كبرت البنت وعركتها الحياة.. وأصبحت بدورها أما تقوم بنفس الدور.. جلست وفتحت مصحفها لتتلو وردها اليومي... وأجلست ابنتها في حجرها.. في صباح يوم الجمعة، وككل يوم جمعة، تعودت أن تقرأ سورة الكهف..  ووصلت إلى قصة سيدنا موسى ومصاحبته العبد الصالح؛ " عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ".  ‏‎توقفت عند القصص الثلاثة، واستعجال سيدنا موسى... سرحت بذهنها برهة، ثم تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى، لو صبر لأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام).

فهل نصبر على الحياة، وهي تقوم بدور العبد الصالح لنتعلم من دروسها ؟

#يوميات_ياسمين 
#الذكرى_العاشرة_للثورة
#تونس
17ديسمبر 2020

الجمعة، 13 نوفمبر 2020

وباء كورونا-مقاربة مختلفة

 وباء كورونا: القضاء عليه أم التعايش معه ؟

20 مارس 2020

بقلم م/مسعود جبارة.

ظهر فيروس كورونا مع نهاية 2019  ومثل وباء عابرا للحدود. ظهر أولا في الصين ومنها انتشر في جميع أرجاء المعمورة. فلم تسلم منه دولة. لكن كل واحدة منها تعاملت معه بطريقتها. منها من أنكره ، وهناك من تجاهله. وهناك من تعامل معه

وتفاعل، وهناك من واجهه بحزم. 

مقاربة الحرائق

إن الوباء لا يعترف بالحدود، ولا يطلب تأشيرة، ولا ينتظر ختم الدخول، بل يتسرب مع كل مسافر وينتشر انتشار النار في الهشيم.. و الوباء فعلا كالحرائق، لا فقط في قوة انتشارها، بل أيضا في طرق معالجتها. إنها إذا لم تعالج  بالتزامن فإن ألسنة اللهب ما تفتؤ ترتفع في المناطق التي لم تصلها الاطفائيات، بل إنها تعاود الاشتعال حتى في المناطق التي بذلت فيها جهود لإخماد نيرانها. 

ومع أن هذه حقائق تعرفها البشرية منذ زمن بعيد، أليس من الغريب إذا ما نحن فيه، من مقاربات في التصدي لوباء كورونا ؟

لماذا تعالج كل دولة الوباء على حدة كأنها تعيش وحدها في كوكب معزول، ثم بعد أن تفتح حدودها، ويعود الوباء في التفشي مرة أخرى، تعود إلى نفس الإجراءات الأحادية المكلفة، وباسم السيادة الكاذبة؟

 الإغلاق تام أو لا يكون.

الإغلاق والعزل ينهي الوباء تماما، لكنه لا يؤدي النتيجة المطلوبة إلا إذا كان شاملا وتاما. فلماذا انعدم التنسيق على مستوى الكوكب، أو كاد، في قرارات الإغلاق؟ لماذا غاب مجلس الأمن ولم يجتمع للموضوع؟ أليست البشرية كلها مهددة في سلامتها وأمنها من هذا العدو الذي لا يرى بالعين المجردة؟ ولم لم تلعب الهيئات الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة دورها في التنسيق لتزامن الإغلاقات، وحتى منظمة الصحة العالمية اقتصر دورها في كتابة البروتوكولات الصحية وإصدار الوصفات الطبية التي لم تكن تجدي لأن المرض غير معروف بدقة بعد. لماذا ذهبوا كلهم هذا المنحى وتركوا ماهو معروف ومجرب،  أي الإغلاق التام المتزامن على كل الدول بل كل المدن؟ أليس مدة إغلاق شامل قصيرة ستكون كافية للقضاء على الوباء من كوكبنا؟ والجميع، دولا وأفرادا، يستطيع تحمل تبعات إغلاق يدوم من أسبوعين إلى الشهر.  أليست تلك الطريقة أجدى وأنفع وأقل تكلفة بشرية واقتصادية من المقاربة الحالية المتواصلة على مدى كامل سنة 2020 وربما للسنة أو السنوات القادمة؟

مؤامرة اللقاح

هذه أسئلة بسيطة حيرتني منذ الشهر الأول لتفشي وباء كورونا ومازلت لا أجد لها جوابا كافيا.

لماذا تتسابق الدول وشركات الأدوية لانتاج اللقاح وبالتالي اختيار التعايش مع كورونا بدل القضاء نهائيا عليه بالعزل؟

 نحن نعيش عصر التواصل في الزمن الحقيقي والاتصالات بالصورة والصوت. فلا أجد سببا معقولا لعدم الإغلاق المتزامن إلا إذا كان هناك مكان لنظرية المؤامرة؛ مؤامرة لوبيات شركات صناعة الأدوية، أو مؤامرة بيل غيتس ومن على رأيه في تحجيم النمو البشري عبر انتاج المصل الذي يصل إلى الجينات البشرية ويحد من الخصوبة.. فهل نفرح بتقدم الأبحاث لاكتشاف اللقاح ؟

 الكوكب يحتاج راحة دورية.

عبر التاريخ، تطورت حقوق العمال من العمل النهاري- من الشروق إلى الغروب- إلى ساعات ثمانية يوميا، ثم تم اعتماد راحة يوم أسبوعية وأخرى بشهر سنويا. وتوقف المصانع سنويا وتصمت محركاتها لتخضع لصيانة دورية.  فما ضر لو توقفت تماما حركة البشر لمدة أسبوعين سنويا لتستريح الكرة الأرضية بكل من عليها وتستعيد عافيتها وتسترد البيئة أنفاسها.؟

من ذاتي لملذاتي

        من ذاتي لملذاتي،     


ذات يوم،
من حياتك،
ستزهر ورود قلبك
وستثمر أشجار حديقتك
وتتزين بالفرح أيامك وبالسعادة لياليك
وستدّعي تحقيق غاياتك.

ذات يوم
ومع فراق اللعين
ستنام قرير العين
بلا أرق ولا كوابيس
لتلقى الخلان والحبيب

يسقيك من ماء معين.
ذات يوم،
ستولد من جديد،
سيتساقط شعرك الأبيض،
ستتفتح الأغصان،
 فتنجلي الأحزان، وتنكسر القضبان،
ويسود المجد التليد.
.
م.ج.


.