الأربعاء، 15 سبتمبر 2010

سيرة و مسيرة: الحاج المحجوب جبارة، رحمه الله

كتـــبـــها ابـــنه : مسعــود جبـــــارة


سيرة و مسيرة:

الحاج المحجوب جبارة، رحمه الله

هو الحاج المحجوب ( (2010-1920 بن المبروك(1977-1891) بن عبد الله(1938-1856) بن امَحمد بن علي بن جبارة الخويلدي (و قيل الخليفي) التوزني الورغمّي وهو ابن غالية بنت عبدالله بن محمد بن عون الله الخويلدي.

ولد يوم 20مارس 1920 بموجب تصريح 1958 وحسب ضابط الحالة المدنية ببنقردان صلاح الدين السلامي. في منطقة بنقردان؛ من عمل ورغمّة، في الإمارة الحربية، بالجهات الجنوبية، للإيالة التونسية، تحت الحماية الفرنساوية.

و توفي مساء الإربعاء -التاسعة ليلا- الفاتح من سبتمبر 2010 الموافق للثاني و العشرون من رمضان 1431و دفن بمقبرة وادي السدر من معتمدية مدنين الجنوبية صباح الخميس، فبات أول ليلة في قبره ليلة الجمعة من العشر الأواخر؛ ثلث العتق من النار، رحمه الله رحمة واسعة و أسكنه الفردوس الأعلى.

نشأته:

نشأ و ترعرع المحجوب تحت رعاية والديه و محبة جده عبد الله وقد كان حفيده البكر. لم يكن له أعمام ذكور بل عمتان فقط. و بعد بضع سنين أصبحت له أخت "هناء" قبل أن يفترق والداه و هو لا يزال صبيا. فازداد عطف جده عليه و أكثر من الإعتناء به [1]

أجاد الفروسية و اشتهر في الجهة كأحد الفرسان الذين لا يشق لهم غبار في المضمار و كل ميادين و مناسبات اظهار الرجولة في مثل تلك البيئة البدوية كالمناوشات المسلحة بين القبائل أو الإستعراضات الإحتفالية في الأعراس.

عمل الى جانب والده في الرعي و تربية قطعان المواشي حتى كانت لهما قطعان كثيرة من الأغنام و المعز و الإبل كما عمل في الزراعات البعلية و فلاحة الأرض، فأصلحا المساحات الشاسعة بغراسة أشجار الزيتون و كروم التين لا تزال غاباتها في بنقردان و هيمان و وادي السدر شاهدة على براعة أصحابها في دقة التخطيط لها وشهيرة باستقامة سطورها و في كل الإتجاهات، تنافس في ذلك مثيلاتها في جرجيس و صفاقس و التي كانت لمستعمرين فرنسيين كبار يعرفون العلوم الهندسية الحديثة و يستعملون كل التقنيات العصرية.

جهاده ضد المستعمر الفرنسي:

كان المحجوب شاهد عيان في صباه على جرائم المستعمر الفرنسي الغاصب ثم و هو في ريعان الشباب حضر العمليات العسكرية في شمال إفريقيا (تونس و ليبيا) إبان الحرب العالمية الثانية (1945-1939) بين الحلفاء (بقيادة الجنرال الانجليزي مونتغومري) و المحور( الجنرال الالماني إيروين رومل)و التي دارت رحاها في مناطق الجنوب التونسي بعد تقهقر الألمان غربا إثر معركة العلمين بشرق ليبيا.

كانت لهذه البيئة الحربية و الإستعمار الفرنسي الغاشم الذي حكم مناطق الجنوب التونسي كمنطقة عسكرية و الإهانات المتعددة من قتل و اغتصاب و تنكيل و تشريد التي كان يتعرض لها الأهالي البسطاء من تلك الجيوش الأوروبية المختلفة والتي تتطاحن على أرض المسلمين، الأثر البالغ على حياة الناس عموما و على الشاب المحجوب خصوصا، فانخرط في سلك المقاومة التي أصبحت تتشكل بأسلحة بسيطة تفتكها أو يشتريها الأهالي، مبادلة بالخبز المحلي أو بيض الدجاج، من أفراد الجيوش الغربية.

التحق بخلايا الحزب الدستوري أول مرة سنة 1945. و تابع أخبار المجاهدين و خاصة الشهير الدغباجي ثم سرعان ما التحق بخلايا المقاومة بداية الخمسينات تحت إمرة المجاهد الشهير مصباح جربوع بجبال بني خداش،الذي أوكل له مهمة عمليات التمويل و الإمداد.[2]

شكّل سلسلة من العلاقات تمتد الى المناطق الغربية لليبيا -كامتداد قبلي طبيعي- تجمع المساهمات المالية و تؤمن إمداد المجاهدين بالذخيرة الحربية. كان له محل تحت الأرض شهير بهيمان من غابة مدنين بعيدا عن الطريق المعبدة يجمع ويخزن فيه ما أمكن استيراده من الأسلحة من المشرق أو مما تركت الجيوش الغربية المتقاتلة. كما كان المحل مركزا للقاءات التجنيد و التعبئة ضد المستعمر الفرنسي و محطة للملتحقين الجدد القادمين من قبائل و مناطق مختلفة ومشفى لاستراحة المرضى و الجرحى العائدين من القتال. شاهد أقاربه و جيرانه منه كل ذاك النشاط و تلك الحركية في دعم حركة الجهاد ضد المستعمر و المساهمة فيه، واستثار حماستهم، فيسّر إلتحاق العديد منهم و خاصة الشبان بصفوف المجاهدين في سنوات -1954-1953

فكان أن تسلل أكبرابنائه ذو الثمان سنوات ليلا طلبا للإلتحاق بالمجاهد مصباح جربوع...!!

و لما ظهر الإنشقاق داخل الحزب الدستوري في النصف الثاني لسنوات الخمسينات، ساندت أغلب المجموعات الجهادية الأمانة العامة و ظهر ما أصبح يعرف بالحركة اليوسفية التي سرعان ما اندحرت أمام بطش الرئيس الحبيب بورقيبة وانسحب أغلب رموزها الى القطر الليبي إثر صدور الأحكام المشددة ضدهم و تعدد ملاحقات النظام لهم، و منهم رفقاء دربه و أمناء سره (ارحيّم بن مصباح، محمد بن حسين الجرو..).

دعم نشأة الجيش الوطني و قاد الحملات التعريفية و ترغيب الشبان بالالتحاق به سنوات 1957- الى 1959.

العلم و العمل:

كان المحجوب محبا للعلم و العلماء، داعما لهم. و رغم أنه لم تتوفر له فرصة التعلم، فقد حرص مع والده أن يكون لأطفالهم معلما للعلوم الشرعية يستأجرونه سنويا ليقيم بينهم حيثما حلوا ويرحل معم أينما ذهبوا طلبا للرعي و الكلإ. كانوا يلقبونه المؤدب و يعلم الذكور و الإناث على حد سواء القرآن الكريم و بعض الأحكام الشرعية و يستفتونه في كل ما يستجد من أمورهم الحياتية؛ من المسائل الفقهية البسيطة الى الإستشارة في معاملات البيع و الشراء و العقود (المغارسة، المشاركة، أو النكاح و الطلاق) و يلتحق بدروسه كل من يرغب من الأقارب و الجيران.

و لما استقرت العائلة بوادي السدر في بداية الستينات من القرن العشرين، دفع المحجوب بجميع أبنائه لحفظ كتاب الله بالكتّاب التابع للمسحد القديم المسمى بالزاوية و الذي ربطته لاحقا بإمامها صداقة حميمة، ثم الحق من كان منهم في سن القبول بالمدرسة الإبتدائية المستحدثة سنة 1964 -1963.دعما لمجهود بناء مواطن العمران وتشجيعا للإستقرار.

و لما ترك النشاط الرعوي، أمتهن التجارة عبر الحدود التونسية الليبية ثم إفتتح سنة 1965 دكانا للمواد الغذائية في وادي السدر قبالة المدرسة الحكومية قبل أن يتركه مع زحف الموجة الإشتراكية للوزير أحمد بن صالح في نظام الرئيس بورقيبة المريض و الذي كان يفتك أملاك الناس تحت مسمى التعاضد سنوات 69-68-67 فعمل بعدها على قيادة جرار اشتراه مع صديقه المنصور بن محمد الجرو.

لم يرمنه والده سوى كل الطاعة و البر. و لاحظ عليه فطنة و حكمة، فقال فيه قصيدة يمدحه فيها و يدعو له؛ يقول مطلعها:

المحجوب فالح ياليتني قرّيته== يارب يربح هو و ينجحوا ذرّيته

مع بلوغه سن الستين تفرغ الى الشأن العام في تطوير القرية، فشكل مجلسا من الأعيان حوله الحزب الحاكم لاحقا الى خلية ثم شعبة دستورية. أهتم المجلس بدعم المدرسة فبنى بمجهود خاص من الأهالي المزيد من الأقسام و أحاطها بسياج، إضافة الى بناء دار لسكن المعلمين و المعلمات، و ناد للشباب، و ادخال خدمة الهاتف العمومي لأول مرة في القرية. كان لمجلس القرية مطالبات و مراسلات و مجهودات تذكر فتشكر في مطالبة السلط الجهوية لإيصال الكهرباء و مد شبكة المياه الصالحة للشرب للمواطنين، مجهودات لم تثمر إلا مع بداية التسعينات.

و كان الشرف الأهم، هو ترؤس المحجوب في بداية الثمانينات مجموعة من وجهاء القرية لبناء مسجدها الجامع، تخطيطا و تمويلا و تنفيذا، و يصبح قلبه معلقا به بقية عمره حيث كان يقضي أغلب يومه داخله في انتظار الصلاة بعد الصلاة، قبل أن يقعده الهرم على الفراش، و يتخلف منذ سنة 2004عن الحضور الى مكانه في الصف الأول أمام السارية. جاءه يومها صديقه الحميم الحاج علي بن خليفة يزوره و يستسمحه في الجلوس الى نفس العمود، فرأيتهما يذرفان الدموع في موقف نادر جدا.

قصد البقاع المقدسة للحج مرتين سنة 1979 وسنة 1986 ثم أفرد بالعمرة في رمضان من سنة 1998. اللهم تقبل منه و زد في حسناته و تجاوز عن سيئاته و الحقه بالصالحين، من النبيئين و الشهداء و الصديقين، يا رب العالمين، و حسن أولائك رفيقا.

إن القلب ليحزن، و إن العين لتدمع و إنا على فراقه لمحزونون. رحم الله الوالد العزيز و غفر له و جميع موتى المسلمين

[1] كتب له جده عبد الله عام 1936 صدقة تساوي ثلث املاكه من أراض زراعية في هيمان و وادي السدر و عقارات كالغرفة التي في قصور مدنين. و ترك الثلثين للمبروك والد المحجوب. الوثيقة هي عقد مسجل بمدنين. هذه الوصية لم تنفذ برغبة منه ترضية لوالده و اخوته الصغار.

[2] أنظر الوثيقة بذلك مختومة من المجاهد الكبير مصباح جربوع.

هناك 5 تعليقات:

  1. اللهم ياحنان يامنان يابديع السموات ولأرض ياذا الجلال والإكرام ياحي ياقيوم.

    • اللهم ارحم جدي رحمه واسعه وتغمده برحمتك , اللهم أرحمه فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك , اللهم قه عذابك يوم تبعث عبادك , اللهم أنزل نورا من نورك عليه , اللهم نور له قبره ووسع مدخله وأنس وحشته , اللهم وأرحم غربته وشيبته , اللهم أجعل قبره روضه من رياض الجنه لاحفره من حفر النار, اللهم اغفر له وارحمه , واعف عنه وأكرم نزله .

    • اللهم اغفر لسيدي وارحمه , وعافه واعف عنه , وأكرم نزله ووسع مدخله , واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا , اللهم عبدك جدي أن كان محسنا فزد في حسناته وأن كان مسيئا فتجاوز اللهم عن إساءته, اللهم افتح أبواب السماء لروحه وأبواب رحمتك وأبواب جنتك أجمعين برحمتك ياأرحم الراحمين, اللهم هذا عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها , ومحبوه وأحباؤه فيها إلي ظلمة القبر وماهو لاقيه , كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبدك ورسولك وأنت أعلم به , اللهم يمن كتابه , وهون حسابه , ولين ترابه , وألهمه حسن جوابه , وطيب ثراه وأكرم مثواه واجعل الجنة مستقره ومأواه.

    امين يا ارحم الراحمين

    امنة

    ردحذف
  2. لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين سبحان الله و بحمده عدد خلقه و رضى نفسه و زنة عرشه ومداد كلماته ************ اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال ************ اللهم اغننا بحَلالِك عن حرامك وبفضلك عمَّن سواك ************ اللهم و إن كانت ذنوبنا عظيمة فإنا لم نرد بها القطيعة إلى من نلتجئ إن طردتنا؟ من يقبل علينا إن أعرضت عنا ************ اللهم أحسن خاتمتنا اللهم توفنا وأنت راض عنا ************ يا من أظهر الجميل.. وستر القبيح.. يا من لا يؤاخذ بالجريرة.. يا من لا يهتك الستر.. يا عظيم العفو.. يا حسن التجاوز.. يا واسع المغفرة.. يا باسط اليدين بالرحمة.. يا باسط اليدين بالعطايا.. يا سميع كل نجوى.. يا منتهى كل شكوى.. يا كريم الصفح... يا عظيم المن.. يا مقيل العثرات... يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها..أغفر لنا وأرضى عنا وتب علينا ولا تحرمنا لذة النظر لوجهك الكريم ************ الحمد لله الذى تواضع كل شيء لعظمته، الحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته، الحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته، الحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه ************ اللهم إني أستغفرك لكل ذنب .. خطوتُ إليه برجلي .. أو مددت إليه يدي .. أو تأملته ببصري .. أو أصغيت إليه بأذني ... أو نطق به لساني . أو أتلفت فيه ما رزقتني ثم استرزقتك على عصياني فرزقتني ثم استعنت برزقك على عصيانك .. فسترته علي وسألتك الزيادة فلم تحرمني ولا تزال عائدا علي بحلمك وإحسانك .. يا أكرم الأكرمين اللهم إني أستغفرك من كل سيئة ارتكبتها في بياض النهار وسواد الليل في ملأ وخلاء وسر وعلانية .. وأنت ناظر إلي اللهم إني أستغفرك من كل فريضة أوجبتها علي في آناء الليل والنهار.. تركتها خطأ أو عمدا أونسيانا أو جهلا... وأستغفرك من كل سنة من سنن سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه و آله وسلم.. تركتها غفلة أو سهوا أو نسيانا أو تهاونا أو جهلا أو قلة مبالاة بها .. أستغفر الله العظيم .. وأتوب إليه .. مما يكره الله قولا وفعلا .. وباطنا وظاهرا

    ردحذف
  3. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}

    رحمة الله على عمّي محجوب ..
    وحفظ الله ذريته وذريتهم جميعا.
    عماد محسن

    ردحذف
  4. الله يرحم موتنا وموتا المسلمين جميعا

    ردحذف
  5. أشكر لك برك بوالدك أخي مسعود ؛ ومن علامات هذا البر حسن تدوينك لسيرته ومسيرته الحافلة ؛ والتي تدل على أن الرجل كان حاضرا فيما يجب ان يكون حاضرا فيه وشاهدا فيما كان يجب ان يشهد عليه ؛ مستقيم السيرة .. عابدا لربه ملازما لصلاته .. ولعل خاتمة حياته وتوقيت وفاته وهي التي يملكها أكبر دليل فيما يمكن لأن تكون بشارة ... توفي رحمه الله ليلة الجمعة في العشر الأواخر من رمضان
    رحمه الله رحمة واسعة آمين

    ردحذف