الاثنين، 6 أكتوبر 2014

الأسد (ملك الغابة) وابن اوى (الحكيم) والثعلب (الماكر)


حديثنا تفرهيد وقياس. وكل واحد يفسر على كيفو ياناس.
(مسعود جبارة عن أبن المقفع بتصرف)

الأسد (ملك الغابة) وابن اوى (الحكيم) والثعلب (الماكر).

انطلق ثلاثتهم في رحلة صيد وكانت الحصيلة هامة. بقر وحشي ووعل غزال وأرنب بري. ثم اجتمع الثلاثة تحت دوحة وارفة من غابة الربيع العربي في أول يوم بعد صُدُور القرار الثوري الذي يخص تطبيق الديمقراطية في جميع أنحاء الوطن.
جلس ثلاثتهم والى جانبهم صيد ذلك اليوم لوضع الخطط والبرامج و لمناقشة الاليات العملية وكيفية وضع القرار موضع التنفيذ.
ترأس الأسد الملك الجلسة التي تهافتت لنقلها و على الهواء مباشرة كل الفضائيات العالمية، وقدم موضوع الجلسة وطرح إشكاليات الديمقراطية وتحديات التطبيق وأولها كيفية تقسيم الثروة الهائلة وتوزيع الغنائم بين الشركاء والمداخيل اليومية الجيدة التي تأتت من مناخ الوئام والحرية والأمن السائد في كل ارجاء الغابة والعمل الجماعي والتعاون للوصول إلى التوافق. ثم فتح باب النقاش والاقتراحات.
طبيعي جدا أن يطلب الكلمة الفيلسوف الحكيم ويكون أول المتدخلين فهو قوة اقتراح ومتحدث لبق ومتحذلق.
بسمل وحمدل واثنى على العهد الديمقراطي الجديد وثمّن الْقَرَار الأخير والحكمة منه. ثم استشهد بمقولة "كل حسب حاجته" للفيلسوف العبقري الألماني الشهير ديموقراطيتسون في كتابه الذي ترجمه الى العربية العلامة الفهامة احسونة الحمامة. وتنزيلا لهذه المقولة على صورة الحال اقترح أن يكون بقر الوحش، ضخم الجثة السمين، من نصيب ملك الغابة الأسد؛ وضبي الغزال لابن اوى الحكيم (فليس أولى بلحم الغزال الشهي منه) ثم ترك الارنب للثعلب الماكر.
استشاط الأُسد غضبا من ابن آوى فرفع يده ثُم هوى عليه بمخالبه ليقضي عليه في الحال في تلك الساحة الواسعة وأمام ذهول كل المشاهدين ليتطاير دمه في أرجاء المعمورة كماء النافورة. 


أرتعد الثعلب لذلك المشهد وقد بللت وجهه قطرات من دم صاحبه وقال وهو يرتجف مترددا: سيدي ملك الملوك. لقد نال صاحبنا ما يستحق لتطاوله على مبعوث العناية الإلاهية وما تأديبكم له إلا عين العدل والصواب والقصاص ومطابق لكافة المواثيق والعهود وحقوق الحيوان. واسترق النظر فرأى الأُسد قد استبشر بكلامه وتحرر من غضبه فانبسطت أسارير وجهه وذهب عنه شعور داخلي بالذنب. عندها أضاف: إني أرى في قضية الحال، والرأي لكم، أن يكون الغزال فطور الملك وبقر الوحش غداءه والأرنب عشاءه. فتلك وصفة صحية وغذاء مثالي ينصح بها كل الأطباء والسفراء المعتمدون ليقوم رأس الدولة بمهام المملكة وهو في صحة وعافية.
عندها قاطعه الأُسد منتشيا مزهوا وقال: أحسنت أيها الناصح الأمين وقد أمرنا بتكليفك بالوزارة. ومنذئذ أصبح الثعلب يقتات من فضلات الأُسد.

الخميس، 2 أكتوبر 2014

رسالة مفتوحة الى المؤتمر الاول لجمعية تونس الخيرية


JUNE 14th, 2014

أيها الأخوة والأخوات... أعزائي من الأبناء والبنات... عليكم من الله سلام ورحمة وبركات....

أيها السواعد التي سعت وتسعى دوما الى الخير...ايتها الأقدام الّتي تبحث في الارض تمشي في مناكبها وتساعد الغير...
يا اصحاب السواعد الكريمة...يامن توصلون مساعدات ألقلوب الرحيمة... الى عائلات معوزة عفيفة... قبلاتنا ليست فقط على جباهكم بل أيضاً على أقدامكم الشريفة...


ياأيها الأصدقاء المؤسسون...اذكركم وما أنتم ناسون... قبل ثلاث سنوات كانت الانطلاقة... والبداية دائماً شاقة... كان حقاً علينا اختيار الاسم المناسب... ومع "تونس الخيرية " بدأنا نجني المكاسب... رأس.مالنا شباب متحمس نشط يعمل ويحاسب... انطلق من صحاري الجنوب ووصل الى جبال الشمال مرورا بمناطق الظل والأرياف النائية في السباسب...

أيها الأخوة والأخوات المؤتمرون والمؤتمرات... لقد غرس عبد المنعم وإخوانه الفسيلة وقد حان وقت جني الثمرات... ورغم ان معركة التأسيس والبناء لا تخلو من عثرات... لكن الإنجازات والحمد لله بالعشرات... وأهمها تلاحمكم وتضامنكم في الضراء كما في المسرات...وثقتكم في جمعيتكم التي لا تشترى بالدولارات....
وفي الأخير.
اهنئكم وأشكركم...وبالتحية اغمركم... وبالنجاح أدعو لمؤتمر كم... واعتذر لاكبركم وأصغر كم.... وأعدكم أن الدعم بكل اشكاله منا سيتواصل...، وان التوفيق من الله حاصل....
والى أحر لقاء... يااعز الأصدقاء...
كتب من الدوحة هذه العبارة.
اخـــوكم مسعـــود جبــــارة.

استضافة الأحبة

 ‎استضافة الأحبة وإكرامهم مستحب وجائز. عساني على دعوة صالحة منهم حائز. وبرضا الغني الكريم فائز.  خاصة ان توفرت في المأدبة كل الركائز؛ وكانت على شرف  شاب زائر وشابة ناجحة وكهل مريض وممثلة  للعجائز.‎

استضافة الأحبة وإكرامهم مستحب وجائز. عساني على دعوة صالحة منهم حائز.
وبرضا الغني الكريم فائز.  خاصة ان توفرت في المأدبة كل الركائز؛
 وكانت على شرف شاب زائر وشابة ناجحة وكهل مريض وممثلة للعجائز.
(أمين ز. -نور و- منصف بو- نسيبة د فتحي ف.)

وقوع الهزيمة، لغياب العزيمة

بقلم مسعود جيارة
July 1st, 2014

مما يحز في النفس، أننا مهزومون في كل منافسة مع الغرب. هذه حقيقة وليست إشاعة.
دع عنك التفوق عليهم في العمل والمثابرة، ألا نستطيع الفوز عليهم في مسابقات اللعب واللهو،لا في الفردي ولا مع الجماعة!.
هل أصابتنا الإعاقة في الذهن أم في الجسم أم هو نقص في الشجاعة.
نحن لا نحسن الحركة بالرجلين كما لا نجيد عمل اليدين، أأجسامهم من حديد وبطوننا فيها دلاعة.!.
بل ويغلبوننا في مسابقات الأكل ونحن من مناطق تعشش فيها المجاعة.
لماذا نحن متخلفون في كل شيء؟ في الفكر والإبداع وفي الفن والترفيه ولا أحدثكم عن الصناعة.!
وفي عالم المباديء والأخلاق، أليست معنا أحسن بضاعة. ؟ .

هل كتب علينا أن نعيش إلى الأبد هذه الوضاعة.؟
هل نتوارثها جينيا أم مع حليب الرضاعة؟
وهل سيدوم الحال معنا الى قيام الساعة.؟
وهل ترون معي الامر بهذه البشاعة؟
نحن كومة قش لا تنقصها سوى ولاعة. !!

شعر: الشعب يريد

محاولة شعرية.  مسعود جيـــارة
November 25, 2013

في وطني ولد "شعب يريـد":: ومنه جـــابت كامـل الأرجــاء
في بلدي يزهر الربيــع لكــــني :: أرصد حوله تلــبد الأنــــواء
أعيش أحداثه بكل تفــــاصيلها :: رغم بعـــدي عن الأضــــواء
أنزل برهـة الى طـــين يـومـــي :: لأعود مجددا الى الأجـــواء
أسرح في دنياكم ساعة وأسمو :: بعدها الى عــنان الســماء
"سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعــداءِ :: كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ"
مسعود جبارة

هل نتقدم أم نتعفف، ومن المسؤولية نتخفف؟


حدثنا مصعب بن جبير، وما ينبئك مثل خبير، قال:

مثلنا ومثل السلطة والحكم، كمثل مسافر قطع مشوارا طويلا مع الحيوانات البكم، في البراري والقفار يصارع الوحوش وقطاع الطرق، حتى أثخنته الجراح وأنهكه التعب وتصبب منه العرق. وفتكت به أمراض الدم والسكري والكولستيرول، حتى كادت تخرج عن السيطرة والكنترول.

‎هل نتقدم أم نتعفف، ومن المسؤولية نتخفف؟ (م. ج.)

حدثنا مصعب بن جبير، وما ينبئك مثل خبير، قال: مثلنا ومثل السلطة والحكم، كمثل مسافر قطع مشوارا طويلا مع الحيوانات البكم، في البراري والقفار يصارع الوحوش وقطاع الطرق، حتى أثخنته الجراح وأنهكه التعب وتصبب منه العرق. وفتكت به أمراض الدم والسكري والكولستيرول، حتى كادت تخرج عن السيطرة والكنترول. 
وعندما وصل الى الميناء، كان قد بلغ مبلغا كبيرا من الجهد والعناء، وقبل أن يعتلي السفينة لقطع البحار العاتية، وإكمال الشوط الثاني من رحلته المواتية، وقد أخذ منه الجوع مأخذا عظيما، هيأ له القدر موقفا كريما. فقبل أن يركب الباخرة، جيء له بمأدبة فاخرة: قصعة وكؤوس وصحون، كسكسي مع لحم دسم وطري مما يشتهون، وأطباق فاكهة مما يتخيرون. أكل حلال، وماء زلال، وعصائر منعشة، وحلويات متنوعة....

وأنت أخي القارىء فكر ببطنك أو برأسك، واستحضر قوتك وبأسك، وانصحه أيهجم أم يمسك؟. 
واعلم أن الدين النصيحة، والجشع صفة قبيحة. ضع نفسك مكانه، وابعد عنه المهانة. واعلم أن أمامه البحر الهائج، والقرصنة عمل رائج، وعليه أن يكون مستعدا وبصحة وعافية، متحفزا ليأخذ على يد من تسول له خرق السفينة الطافية.‎وعندما وصل الى الميناء، كان قد بلغ مبلغا كبيرا من الجهد والعناء، وقبل أن يعتلي السفينة لقطع البحار العاتية، وإكمال الشوط الثاني من رحلته المواتية، وقد أخذ منه الجوع مأخذا عظيما، هيأ له القدر موقفا كريما.

فقبل أن يركب الباخرة، جيء له بمأدبة فاخرة: قصعة وكؤوس وصحون، كسكسي مع لحم دسم وطري مما يشتهون، وأطباق فاكهة مما يتخيرون. أكل حلال، وماء زلال، وعصائر منعشة، وحلويات متنوعة....


وأنت أخي القارىء فكر ببطنك أو برأسك، واستحضر قوتك وبأسك، وانصحه أيهجم أم يمسك؟.

واعلم أن الدين النصيحة، والجشع صفة قبيحة. ضع نفسك مكانه، وابعد عنه المهانة. واعلم أن أمامه البحر الهائج، والقرصنة عمل رائج، وعليه أن يكون مستعدا وبصحة وعافية، متحفزا ليأخذ على يد من تسول له خرق السفينة الطافية.

تنبيه الأحباب، من بؤرة الإرهاب.



    September 19, 2014 at 4:33pm
    (مقامة بقلم. مسعود جبارة)

    حدثنا مصعب بن جبير، ولا ينبئك مثل خبير. قال:

    إنه فكر وقدر فقدم وأخر ثم أعلن متابه، تم جاء ومعه بطاقته وكتابه، الذي أفصح فيه عن حبه لكرسي قصر قرطاج وقرع بابه، بعد أن استعد للحدث ووفر له كل أسبابه، إذ أسس الوعاء الذي جمع الفلول واليسار وأحزابه.

    اعتلى المنصة يوما وظهر على الشاشات وقرأ على مسامعنا خطابه، أقبل وأدبر ثم لم يتمالك أعصابه، ليكشف عن أخطر عصابة. لا تظنوا أنها في الشعانبي أو تختبئ في مغارة في غابة. لا.... إنما هي تتردد على مكتبه وتتمسح على أعتابه. وتدخل عليه في كل حين وقبل أي ذبابة. ولعلهم يخزنون السلاح في جرابه. نعم هي خلية من أتباعه وبين أقرب أصحابه، وتخطط لاغتياله بدس السم في طعامه أو في شرابه. فظننت أولا أن الرجل فقد صوابه. لكن اللغز فك شفرته أحد أعز أحبابه، ممن فتن به وقد سحر ألبابه.

    صديق كان يسعى لخوض بحر التشريعية و شق عبابه. لكنه أطرد من الحزب فضاع نصيبه وتلف منابه. ولما يئس من الرضا عليه وإمكانية عودته الى الصفوف واستحالة إيابه، خط رسالة قال لنصحه وعتابه، أو خدمة لغيره أو وقع انتدابه. فكان أن كشف وثائق استلمها من أقاربه وبعض أترابه، ومن الطبيب بعد أن دفع له أتعابه. وتكشف كل مرض كان أصابه، في حياته وفي خرفه تنذر مما قد ينتابه. كعدم تحكمه في بوله وسيلان لعابه. "صحوة ضمير تجنب انهيار الوطن وخرابه، إن حصل وتم انتخابه". هكذا كان تبريره لفعلته وجوابه!

    أين العدالة وهي ترى القلابة؟ وهل تحرك جهاز الرقابة؟ الذي تميز بغيابه. فهل تعرفتم قبل فوات الأوان على مثيري الشغب والعنف وأربابه. وحلقات القتل وإرهابه؟. وهل نحتاج بعد اليوم الى جيش مسلح بطائرة ودبابة؟. أو أمن يبث في الأحياء عيونه وكلابه.؟
    أيمكن أن تحكمنا مرة أخرى جماعة علي بابا؟ والكل يشير اليها بالسبابة. لقد انكشفت العصابة، ورئيسها عرّي من ثيابه. وبعد أن كشر عن أنيابه،. نقبوا في ما فعل في كهولته وشبابه.

انتماءات متعددة الأبعاد

خاطرة بقلم مسعود جبارة

الإنسان روح و كيان. و بر الوالدة يتكامل مع بر الوالد وهما سيان، في كل الأعراف وكل الأديان.

و كما لا يتعارض حب الأخوال مع الانتساب للأعمام، فلمَ يتناقض انتماؤنا الأفريقي أو المتوسطي مع العروبة و الإسلام؟

فكما أن ألام والأب هما الوالدان، كذلك تتلازم صفتا عربي وافريقي في السودان. !

حديث النفس- معركة بين الدخلاني والبراني

خاطرة بقلم مسعود جبارة

لكل امرئ جُوّانيٌّ و برّانيٌّ.
واحد مزيف والآخر أصلاني.
الباطن تلقائي والظاهر عقلاني.
وكثيرا ما يتشاجرالاول مع الثاني.
فيرد له الصاع في ثوان. "هيا برّ اخطاني. اللي فيّ كفاني."

يسألونك عن تونس

يسألونك عن تونس كلما عدتٓ من الإجازة. أحرة نشطة حية ام هامدة كالجنازة؟....قل....

بقلم مسعود جبارة.


يسألونك عن تونس، هل عادت لتؤنس؟ قل هي قاطرة الثورات على الاستبداد وهي ماتزال تصلح وتكنس، للإرث الهائل من الفَسَاد. ومع ذلك فلك أن تتجول في ربوعها آمنا بل وتستريح وتجلس.

ويسألونك عن نظام الطاغية البليد. قل لقد كنسته ثورة "الشعب يريد". فلا حسرة على ما كان يلقب ب"العهد الجديد"، الذي قُبِر و أدبر معه جيل العبيد، لصالح وطن حر وليد، يؤسس لنظام عادل تحت سقف ركن شديد، حكمة بالغة ورأي سديد.
ويسألون تونس عن جمالها الرباني. قالت هو الله الذي به حباني. انظر الى المزارع والحقول، انظر الى الجبال والسهول، ثم انظر الى العقول قبل الطرق و المباني. ابداع تونسي وليس يباني، فبأي آلاء الوطن يكذبان.

ويسألونها عن قمح أفريقية، وبطولات قرطاجنة البونيقية، قالت أنا أيضا بلد القيروان، والزيتونة في سالف العصر والأوان، وموطن شباب متعلم متحفز متعدد الألوان. تسلحوا بآليات الحوار والتوافق فتعايشوا كالإخوان. فلا ندم على البنفسج بعد تفتح الياسمين و الاقحوان.

الاثنين، 16 يونيو 2014

بين فلسطين الثورة الدائمة، وتونس الثورة الحالمة: من أسس لنهج المفاوضات والمساومة، مقابل التغيير بالجهاد والمقاومة؟.



بقلم : مسعود جبارة،
مهندس مقيم بقطر
15/05/2014


(1)
كانت الساحة السياسية التونسية حتى فترة قصيرة تتوزع بين أحزاب الأغلبية الممثلة في ترويكا تحكم وبين جبهة أحزاب صفرية تعارض حسب ما افرزته رغبة شعبية جاءت بها صناديق الاقتراع في أول انتخابات شفافة نزيهة وديموقراطية منذ أكتوبر ٢٠١١.
بعد هذا الاصطفاف الطبيعي والمنطقي ديموقراطيا، و تحت عنوان إنجاح المرحلة الانتقالية، أصبحنا هذه الأيام، وبقدرة وتدخل قوى داخلية وخارجية، أمام فسطاطين:
الأول مال إلى التسويات والتنازلات المتتالية وانخرط في عمليات التفاوض والترضيات لفلول الثورة المضادة والتي لم تقتصر على مسائل جلدية بل نهشت من لحم الثورة حتى وصلت إلى عظام الجرحى والشهداء. ولم يقتصر هذا المسار عند تبرئة رموز الفساد والاستبداد بل الأيام القادمة حبلى بصكوك الغفران بعد تكرر المغازلات وتبادل القبلات. أُطلِق هذا النهج من لقاء باريس الشهير وتدعم لاحقا في جولات الجزائر وارتداداتها في فنادق تونس.
وفي الصف المقابل وكردة فعل على عودة الفلول والأزلام، نزعت مجموعات من فصائل مختلفة إلى رفض هذا النهج الانبطاحي وبدأت تظهر إلى العلن مواقف متجذرة تدعو إلى الانحياز إلى صف الثورة والدفع نحو استكمال تحقيق أهدافها.



فهل يذكّر هذا الاصطفاف الذي بدأ بالتشكل في تونس بالمسار الذي طبع القضية الفلسطينية في العشريتين الأخيرتين؟ وهل تستنسخ المراحل الانتقالية في تونس الخيارات العربية ما بعد سقوط جدار برلين وبروز القطب الواحد؟
أم أن ظهور جماعة أسلو للتسوية والمفاوضات المباشرة - وما نتج عنها من سلطة رضي عنها العدو ولم يرض عنها الصديق تحكم بإرادة غيرها إلى أن خرجت عليها قوى المقاومة والجهاد الرافضة لانخراط الثورة الفلسطينية في نهج أسلوـ لم يكن ليكون لولا انتقال المنظمة الى تونس وتأثرها بثقافتها ومزاجها السياسي؟
وما مدى تشابه النهج العباسي في الحالتين وهل أن المصير العرفاتي هو مآل حتمي للزعامات التونسية؟


(2)

الثابت أن محبة الشعب التونسي لفلسطين لا حدود لها وأن دعمه غير مشروط ويبدو أن تبنيه للقضية الفلسطينية وصل إلى حدّ توطين أسلوبها واستنساخ نهجها في معالجة مشاكله وإدارة شأنه الداخلي. تشعبت القضية الفلسطينية وبلغت تأثيراتها وتداعياتها الساحات الاقليمية والدولية إلى أن أصبحت يوما تسمى قضية الشرق الأوسط.
جاءت منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس بعد حصار بيروت، في ثمانينات القرن الماضي، واستقرت قياداتها في الأحواز الراقية للعاصمة التونسية. وتفاعلت مع نخبها وتأثرت بمناخها الثقافي المنفتح كان من نتائجه أن طلّقت النهج الثوري العنيف وانخرطت في مفاوضات مع العدو الصهيوني بدأت سرا في أسلو العاصمة النرويجية بوساطتها ومباركة من الأنظمة العربية وبرعاية دولية. رغم أن العدو ما فتئ يلاحق قوى الثورة الفلسطينية بالحملات العسكرية واغتيال القيادات السياسية والميدانية داخل الأرض المحتلة كما في كل مكان ومنها الغارة الجوية على تونس حمام الشط والهجوم البحري واغتيال أبو جهاد في إقامته بضاحية قرطاج.
  انتجت تلك المفاوضات طبقة سياسية سميت بجماعة اسلو سيطرت على منظمة التحرير وازاحت كل الثوريين من طريقها ولم  يستثن من ذلك قائدها التاريخي الزعيم عرفات ولاتزال تمسك بتلابيب سلطة لا تحكم بشرعية شعبها بل بمدى تنازلها عن ثوابتها وبقدر تعاونها مع الاحتلال ضد المقاومة وإرضاء العدو ومن يدعمه من القوى الدولية. 
أما النخب التونسية بمختلف أطيافها الفكرية وألوانها الثقافية والسياسية فقد تفرقت شيعا مع شدة وطأة الاستبداد والفساد في الربع قرن الاخير الذي سبق انتصار ثورة الحرية والكرامة، تفرقت بين الداخل والشتات،  بين غياهب دهاليز التعذيب والقهر السياسي والاجتماعي أو الركون إلى الطاغية والتقرب منه والانخراط في منظومته والتسبيح بحمده في وطن أصبح سجنا كبيرا للجميع.  وبين الاضطرار إلى الهروب للخارج واللجوء إلى المنافي والمهاجر في الشرق والغرب حيث التقت مرة أخرى بالمعارضات العربية ومنها بعض الفصائل والقيادات الفلسطينية المقيمة في أهم عواصمه. ارتبطت العلاقات مرة أخرى بين النخب التونسية والفلسطينية وتقاربت الرؤى وتشابكت المصالح وتمظهرت في أشكال متعددة من التعاون وتجسدت أحيانا في مشاريع فكرية واقتصادية مشتركة.



(3)
تونسيا، يسوّق فريق الحوار بقيادة عباسية لمنهجه المطبع مع الازلام والفلول والثورة المضادة بأن كل تنازلاته هي بحث عن وفاق لصالح الوطن وسلمه الإجتماعي وأمن المواطن وأن كل شيء يهون في سبيله وأن التوافق لا مناص منه ليس للحاضر الانتقالي فقط وإنما لما بعد الانتخابات القادمة كذلك. كما يبررون نهجهم الاصلاحي التصالحي بأن سبيل الحوار والتوافق هو لقطع الطريق أمام الثورة المضادة غير أن المعارضين لهذا التوجه يقولون أنه عمليا يصب، وإن بطريقة ناعمة، في نفس المآلات والتي منها الانقلاب على الثورة وأهدافها بعودة رموز التجمع المنحل باسمائهم وممارساتهم، يغيضون ضحاياهم ويستعيدون مواقعهم، عودة إلى الشأن العام من دون محاكمة عادلة تؤدي إلى ارجاع الحقوق إلى أهلها وتشفي صدور الضحايا وعائلاتهم، عودة دون اعتذار لن تنتهي بالصفح ولا المصالحة.

ويتهم فسطاط المقاومة فريق الحوار والمفاوضات بقبوله لمثل هذه العودة بل وتسهيله لها عبر رفض قانون العزل السياسي وتحصين الثورة والمماطلة في تقديم مشروع العدالة الانتقالية للمصادقة عليه وتفعيله. ويبدي استغرابا وتساؤلا لم الجري وراء انتخابات محتملة وهل تستحق كل هذه التضحيات إذا كانت في النهاية لا تؤدي إلى احترام إرادة الشعب أو خيانتها كما في الانتخابات السابقة. ويتأكد هذا الرأي بما أن النية، التي تؤيدها بعض التصريحات للقيادات، بدأت تتجه إلى أن يقوم الوضع الدائم أيضا على أساس توافق عريض يشمل الفلول وبقايا التجمع الدستوري المنحل ولا ينبني على نتائج الصناديق ؟
 
لقد نجح مسار التهدئة والحوار تحت القيادة العباسية في الحالتين التونسية والفلسطينية  في ابقاء الوضع دون هزات كبيرة لكن هل توصل خارطة الطريق التونسية إلى أهداف ثورية واضحة في زمن محدد أم أن معالمها تتشابه وتتكرر كل يوم إلى حد الملل الذي بدوره يؤدي إما إلى الاستقالة من الشأن العام  والعزوف والاستكانة  أو اليأس الذي يقود إلى نهاية مأساوية لا تستطيع تجنيب الزعامات التونسية مصيرعرفات ؟



الثورة تفاعل متعدد الأبعاد والاتجاهات، وأهم خصائصها الحسم السريع لتحقق أغراضها، أما الاصلاح في وضع الانبطاح فخيط ممتد لا أفق له.