الجمعة، 13 نوفمبر 2020

وباء كورونا-مقاربة مختلفة

 وباء كورونا: القضاء عليه أم التعايش معه ؟

20 مارس 2020

بقلم م/مسعود جبارة.

ظهر فيروس كورونا مع نهاية 2019  ومثل وباء عابرا للحدود. ظهر أولا في الصين ومنها انتشر في جميع أرجاء المعمورة. فلم تسلم منه دولة. لكن كل واحدة منها تعاملت معه بطريقتها. منها من أنكره ، وهناك من تجاهله. وهناك من تعامل معه

وتفاعل، وهناك من واجهه بحزم. 

مقاربة الحرائق

إن الوباء لا يعترف بالحدود، ولا يطلب تأشيرة، ولا ينتظر ختم الدخول، بل يتسرب مع كل مسافر وينتشر انتشار النار في الهشيم.. و الوباء فعلا كالحرائق، لا فقط في قوة انتشارها، بل أيضا في طرق معالجتها. إنها إذا لم تعالج  بالتزامن فإن ألسنة اللهب ما تفتؤ ترتفع في المناطق التي لم تصلها الاطفائيات، بل إنها تعاود الاشتعال حتى في المناطق التي بذلت فيها جهود لإخماد نيرانها. 

ومع أن هذه حقائق تعرفها البشرية منذ زمن بعيد، أليس من الغريب إذا ما نحن فيه، من مقاربات في التصدي لوباء كورونا ؟

لماذا تعالج كل دولة الوباء على حدة كأنها تعيش وحدها في كوكب معزول، ثم بعد أن تفتح حدودها، ويعود الوباء في التفشي مرة أخرى، تعود إلى نفس الإجراءات الأحادية المكلفة، وباسم السيادة الكاذبة؟

 الإغلاق تام أو لا يكون.

الإغلاق والعزل ينهي الوباء تماما، لكنه لا يؤدي النتيجة المطلوبة إلا إذا كان شاملا وتاما. فلماذا انعدم التنسيق على مستوى الكوكب، أو كاد، في قرارات الإغلاق؟ لماذا غاب مجلس الأمن ولم يجتمع للموضوع؟ أليست البشرية كلها مهددة في سلامتها وأمنها من هذا العدو الذي لا يرى بالعين المجردة؟ ولم لم تلعب الهيئات الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة دورها في التنسيق لتزامن الإغلاقات، وحتى منظمة الصحة العالمية اقتصر دورها في كتابة البروتوكولات الصحية وإصدار الوصفات الطبية التي لم تكن تجدي لأن المرض غير معروف بدقة بعد. لماذا ذهبوا كلهم هذا المنحى وتركوا ماهو معروف ومجرب،  أي الإغلاق التام المتزامن على كل الدول بل كل المدن؟ أليس مدة إغلاق شامل قصيرة ستكون كافية للقضاء على الوباء من كوكبنا؟ والجميع، دولا وأفرادا، يستطيع تحمل تبعات إغلاق يدوم من أسبوعين إلى الشهر.  أليست تلك الطريقة أجدى وأنفع وأقل تكلفة بشرية واقتصادية من المقاربة الحالية المتواصلة على مدى كامل سنة 2020 وربما للسنة أو السنوات القادمة؟

مؤامرة اللقاح

هذه أسئلة بسيطة حيرتني منذ الشهر الأول لتفشي وباء كورونا ومازلت لا أجد لها جوابا كافيا.

لماذا تتسابق الدول وشركات الأدوية لانتاج اللقاح وبالتالي اختيار التعايش مع كورونا بدل القضاء نهائيا عليه بالعزل؟

 نحن نعيش عصر التواصل في الزمن الحقيقي والاتصالات بالصورة والصوت. فلا أجد سببا معقولا لعدم الإغلاق المتزامن إلا إذا كان هناك مكان لنظرية المؤامرة؛ مؤامرة لوبيات شركات صناعة الأدوية، أو مؤامرة بيل غيتس ومن على رأيه في تحجيم النمو البشري عبر انتاج المصل الذي يصل إلى الجينات البشرية ويحد من الخصوبة.. فهل نفرح بتقدم الأبحاث لاكتشاف اللقاح ؟

 الكوكب يحتاج راحة دورية.

عبر التاريخ، تطورت حقوق العمال من العمل النهاري- من الشروق إلى الغروب- إلى ساعات ثمانية يوميا، ثم تم اعتماد راحة يوم أسبوعية وأخرى بشهر سنويا. وتوقف المصانع سنويا وتصمت محركاتها لتخضع لصيانة دورية.  فما ضر لو توقفت تماما حركة البشر لمدة أسبوعين سنويا لتستريح الكرة الأرضية بكل من عليها وتستعيد عافيتها وتسترد البيئة أنفاسها.؟

من ذاتي لملذاتي

        من ذاتي لملذاتي،     


ذات يوم،
من حياتك،
ستزهر ورود قلبك
وستثمر أشجار حديقتك
وتتزين بالفرح أيامك وبالسعادة لياليك
وستدّعي تحقيق غاياتك.

ذات يوم
ومع فراق اللعين
ستنام قرير العين
بلا أرق ولا كوابيس
لتلقى الخلان والحبيب

يسقيك من ماء معين.
ذات يوم،
ستولد من جديد،
سيتساقط شعرك الأبيض،
ستتفتح الأغصان،
 فتنجلي الأحزان، وتنكسر القضبان،
ويسود المجد التليد.
.
م.ج.


.

مقامة (4): من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد .

(4) من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد . !!

بقلم م/مسعود جبارة. 30 سبتمبر 2020 

تزوج بدوي فتاة من قبيلته ذات حسن وأخلاق ودين وأدب، وكان يقوم و أبناء عمومته على خدمة القبيلة في سنين الرخاء والجدب. ولما تشاجر مع أحدهم وقتله، اضطر لمغادرة الديار والهرب. ومع زوجته "خرج منها خائفا يترقب"، خشية الثأر والانتقام وكانت تلك أعراف العرب. والتحق صاحبنا بقبيلة ثانية ومن شيخها تقرب -  ومن يتقرب من الشيوخ يرى العجب، وقد يؤذونه من دون سبب-  حتى أصبح ذو حظوة لديه فيستدعيه إلى مجالس اللهو والسمر والطرب.

وفي أحد الأيام وليرد له الجميل، ولو بالنزر القليل، استضاف الرجل الشيخَ وأكرمه بوليمة في البيت. ولما شاهد الزوجة سُحِر بجمالها وقال في نفسه يا ليت، واستولت على لبه وعقله وتذكر امرأة العزيز التي "غلقت الأبواب وقالت هيت".  ثم خطرت له فكرة شيطانية ، وهي أن يبعد الزوج عن المكان بفرمانات سلطانية. وأرسله بأي حجة إلى مكان فيه ربيع وعشب وشجر، لينفرد بالزوجة و ليقضي منها الوطر، ويخلو له الجو دون إزعاج ولا كدر.

ودع الرجل زوجته وسافر، كما أمره الشيخ عن طيب خاطر، عساه ينجز المهمة بنجاح ويعود بالصيد الوافر.

وعندما نام الناس وأرخى الليل سدوله، تسلل الشيخ إلى خيمة جارته بكل سهولة. وكانت المرأة تقوم الليل وحيدة ، وتسبح الله وتستغفره لساعات عديدة. وقبل أن يدخل عليها ارتطم في العمود، وسقط على التراب ولم يستطع الصمود، وأحدث صوتاً وضجيجا وجلبة، فسبحان من غير المشهد وقلبه. لقد انتبهت المرأة على الصوت وصاحت من القادم و ما الذي جاء به.؟ 

فرد الشيخ : أنا من استضافكم، أنا فلان شيخ القبيلة، وقد جئت اتفقدك وغايتي نبيلة.! جئت أسأل عن أحوالك، وقد أذهلني حسنك وجمالك، وأريد قربك ووصالك، وكل مالي وحلالي هو مالك !

فكرت البدوية وقالت: ليس لدي مانع . ولا أشترط الإبل ولا المزارع،  لكني اشترط الشخص البارع، في تفسير الأحلام وفك الألغاز،  ويستخلص الدرس عند نقل الحقيقة إلى مجاز. فقال هات ماعندك وهو مقتنع أنه قد فاز، فقد جمع كل التكتيك وخبر تقنياته و حاز. فتابعت : يا شيخنا، إن اختلف إثنان من القبيلة تدخل كبيرها بالصلح، وكي لا يجيف اللحم يرشون عليه الملح. "فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد" ؟! ولا تتسرع في الجواب، فلك أن تستعين بأي أحد.

عاد الشيخ أدراجه ليصلح من شأنه، فغسل ثوبه وأزال التراب عن ذقنه، وعمل ليلا ونهارا على حل اللغز يغزل ثم ينقض عهنه،  وما استطاع اخفاء شرود ذهنه.

فرض الشيخ على نفسه الحجر في بيته و لم يغادر المحل، يفكر ويقدر لكنه لم يهتد إلى الحل، فأسرّ أمره إلى مستشاره المبجل، الذي ذكره أن الملح مادة يذرونها كي لا يجيف اللحم، ليحفظوا ما زاد عن الطبخ والشواء على النار و الفحم.

وأضاف: يا شيخ، إنما أرادت البدوية الحرة أن تكسبك، لا أن تخسرك، فتزيد إلى أعدائها وأهلها عدوا بحجمك ومقامك، وتحفظ بعلها في غيابه وتسترك بأن لا يبلغه فعلك و كلامك، وهي تشير إلى قول الشاعر -أمير أهل الحديث- أبو سفيان الثوري: 

يا شيوخ العُرب يا ملح البلد *** من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

فهي تقصد إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح الملحُ اللحم ! فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد ؟!

 ثم أسرها في نفسه و أنشد، 

ما أتعس الأجداد من الوالد إلى الولد، ويا أسفي على الديار وأهلها والبلد، ويا قومي حذاري فإن الملح قد فسد. !

وزعموا أن هذه الإجابة أيقظت في شيخه ضميره النائم، وقلبه الهائم، وعقله الظالم، وأصابه الخجل الشديد من فعلته الشنعاء، وملأه الندم على ما كان منه من المكائد والمفاسد !

وقال:  أصبت كبد الحقيقة أيها لمستشار، وكي لا تلصق بي الفعلة وعلي تسجل، سنشيع أنك أنت من راود الفاتنة الساحرة، ! لتستر عليَّ زلتي سترك الله في الدنيا والآخرة !

مقامة الجلد الخشن، أو التوافق بين طبقة و شن.1-2-3

مقامة الجلد الخشن، أو التوافق بين طبقة و شن.

بقلم م/مسعود جبارة، 30 سبتمبر 2020

(1).

يحكى أن رجلا يتسم بالدهاء اسمه شن، يقال أن أصول قومه قدموا من عدن. فاستوطنوا البلاد الخضراء بصحة البدن. اكسبته الحياة تجربة وأثرت خبرته كثرة المحن. فقد طورد ولوحق بتهمة إشاعة الفتن. ثم هجّر من بلده بعد أن كان فيها سُجِن. 

عزم ذات يومٍ أن يسير باحثاً عن زوجة جميلة ساحرة من أي وطن. فسار أولا إلى مصر وفيها تقومج، ثم إلى الشام وفيه تخونج، وبعدهما استطاب المقام في مدينة تسمى لندن. فيها تحررت أفكاره وتعلم التكتيك على أنه حكمة بالغة جيئ بها له خصيصا من اليمن. 

ورافقه في تلك الرحلة صحب، هم كفاءات و خبرات من كل المهن. وتعاهدوا جميعا على التشاور وأن "احملني وأحملك" وأن لا يقلبوا أبدا لبعضهم البعض ظهر المجن. وأثناء السير الطويل جلسوا في ستراحة على شاطئ نهر  به مرفأ وسفن. وفجأة ظهرت من البحر عروس جاءتهم بشراب وعسل وزادتهم اللبن... وما إن رآها صاحبهم، تعلق بها وبها افتتن، وصاح من حينه: إنها طبقة! وهي لي وحدي، والتوافق مهرها، فأنا الزعيم وجلدي خشن، والعهد الذي بيني وبينكم كأن لم يكن. 

فتساءلوا بينهم: ترى هل جن ؟ قال بعضهم نهدده ونردعه وقال آخرون بل ننصحه ونعضه ونذكره بأن وراءه يوم الكفن. وقال مفتيهم: « ما اختلى حاكم بسلطة الا كان الشيطان ثالثهما». هذه قاعدة هي على رأس كل السنن....

(2).

لم يُعرف هل وافقت طبقة على شنّ،  أو أنها سترضى أن تكون له السكن،  لكن المؤكد أنه مستعد لدفع الثمن، فهو الزعيم وما ادراك ما الزعيم شن. فليس هو من ييأس من الفوز بعروس البحر، حتى وإن تطلب ذلك الاستعانة بالشعوذة والسحر. لقد عزم على طلبها في كل فج وإخراجها من أي جحر، واسترجاعها حتى و إن،  سبق و اختطفها عفريت من الجن. 

ثم جمع بطانة من الحاشية المقربين، واستكتب منهم أحد الدهاة المجربين؛ و كان شديد الطباع، واسع الاطلاع ، ويدعي معرفة ما ظهر وما بطن. ثم نادى في كل المدائن، أني عفوت عن كل خائن. والجميع لي دائن. وأرسل نداء استغاثة لجميع الأرياف و لكل المدن، فتجمع حوله الطامعون والطامحون، ويوم الزينة سيحشرون له ضحى كل كائن، النظيف مع من يصطاد في الماء العفن. وقال العرافون: إن تجز العطايا نؤتيك بها قبل أن يغمض لك جفن ؟ 

أما ماكان ممن ذكرنا من الأصحاب، فلم يتوقفوا عن نصحه بالزهد، و ترغيبه بالشهد، وأنهم مازالوا على العهد. ودعوه أن يتوقف عن اللهث وراء السراب،  فلم يجد نفعا تخويفهم له من العذاب، ولا استشهادهم بآي من الكتاب. ولا تذكيرهم بأن الله شديد العقاب....

بل كان ردة فعله أن استوقفهم عند الباب، ونعتهم بزوار الليل واتهمهم بالتحضير للانقلاب. ولوح باستعمال تهمة الإرهاب، والخيانة العظمى للوطن.  

وأضاف إن السياسة تكتيك وتدبير و فن. وأن طبقة من نصيبي وإن طال الزمن، وسأحارب من أجلها في عتمة الخفاء وفي وضح العلن. فأنا الزعيم وجلدي خشن. وتوعدهم بالقصاص مستشهدا بقوله تعالى «...وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ...»

(3).

" من تقدم في السن، يطلق عليه لقب الشيخ المسن، وله كل المحبة و الاحترام،  والتقدير عند السلام،  والتبجيل عند تقديم الطعام، والجلوس في المقدمة في صدر المجلس وفي الصف الأول خلف الإمام. احتراما لشيبته، واستفادة من خبرته، واستشارته لتنوع تجربته، وقد ترسخت مكانته وصارت حكمته أثبت وأمتن. 

ومع ذلك كله، فلنقر أنه للشيخوخة عيوب، رغم أن استعراضها غير محبوب، وإعلانها أو تعدادها مستهجن غير مرغوب،  ويحتاج إلى مهارة وأسلوب، وإلا وقعنا في مستنقع المعصية والعقوق وسقطنا في الذنوب، ومع ذلك فتجاهلها يمهد لعبادة الوثن. 

فالشباب أولى ممن تقدم به العمر، الذي لم يعد يصلح لتدبير ما يستجد من الأمر. لأن الشمس بعد بزوغها، تضيء أكثر من القمر. ومع ذلك، إذا طلع النهار، وعمت الأنوار، لن نسب الأقمار، التي نحتاجها في الظلماء والشدائد، والاستعانة بالحكماء يبدد الظلام السائد. 

 يتبع....

لذلك، فنحن ندعو الجميع للتوقف عن الخلط بين الأدوار والألقاب، فالرئيس أستاذ، والإمام شيخ، و لا يصلح أن يظل رئيسا بل مكانه أن يعود مؤدبا في الكتاب، أو مستشارا من وراء حجاب. 

أيها الرئيس وجميع الأخوة و الأحباب، وخاصة المصلحون من الأصحاب، تواصل خلطكم هذا تعمية و ضباب، ولن يستقبل إلا بالاستهجان والاستغراب، واعتبروا هذه المضمون رسالة عتاب. أما المخالفون فندعوهم أن لا يسلطوا على أخوتهم الذباب. ويبقى الباب مفتوحا للرأي المخالف إذ لا مناص من الاستماع إلى كل ناقد والرد عليه بما يناسب من الجواب. "

كانت هذه فقرة حملت معنى مما ورد في عريضة الأصحاب، التي وجهوها لرئيسهم شن. ..

يتبع..

.

على لُبَد، طال الأمد. مقامة (5).

 على لُبَد، طال الأمد. (5)

يُحكى أن لقمان كان يدعو ربه أن يمد في عمره. وقد استجاب الله لدعوته والنظر في أمره. فخيره بين البقاء بما يعادل عمر سبع بقرات، أو سبع نوايات تمرات، أو عمر سبعة نسور، كلما مات أحدها يعقبه أخوه من الطيور. وهكذا إلى أن تهلك جميعها، ولأن النسور تعيش فترة طويلة، فقد اختار لقمان ربط حياته بحياة هذه النسور المعمرة الجميلة.

وبدأ النسر الأول يعيش حياته ليبلغ قرابة الخمسمائة عام، ومع موته تبدأ مرحلة حياة النسر الثاني ليكمل الألف بالتمام.  وهكذا إلى أن هلك النسر السادس ذاته، ومعه دخل لقمان في آخر مرحلة من حياته، والتي ترتبط بمدة حياة النسر الكبير، فهو السابع والأخير. ولذا أطلق عليه اسم (لُبَد)، والذي يعني الدهر عند أهل ذاك البلد. 

المهم أن (لُبَد) عاش عمراً مضاعفاً بالمقارنة بعمر كل من النسور الستة الهالكة، حيث بلغ عمره ألف سنة سالكة. ورغم أن لقمان عاش معها أربعة آلاف عام، فقد مرت بسرعة كما تمر على غيره من الأنام، وكمن استيقظ ليروي حلما رآه في المنام. 

ونظراً لأن النسر الأخير كان عمّر طويلاً ، ولم يهلك كما هلك من سبقوه وعاشوا زمنا قليلا،  فقد أصبح مضرب المثل بين العرب، ليدل على أن الانتظار ممل ومتعب، وأن الفترة إن طالت فأنها تتمطط وتمتد،  فيُقال (طال الأمد على لُبَد)، والبعض يقول (طال الأبد على لُبَد).

لقد اختار الحاضرون في مؤتمرهم التاسع، والمؤتمر هو أعلى سلطة وبه تمثيل واسع، أن يحددوا لفترتين فقط مدة الرئاسة، وهي كافية ليصعّدوا نجما جديدا في عالم السياسة. وكما اختار لقمان أن لا تتجاوز حياته أعمار النسور السبعة، كان هؤلاء يرمون لبناء المستقبل بتصعيد شاب قائدا على ربعه، ثم ضمّنوا ذلك فصلا في القانون، ليكون عقدا لمن يوفي بالعهود ولا تغيره السنون.

(،)

 كل ما نخشاه، أن حكاية النسر(لبد) شبيهة بقيادة حركتنا التي تطيل أمدها الأخير، حتى جعلت الناس يتنابزون هذا مالك وذاك أجير.. وعندما رأوا التمطيط عيانا أمرا مفروضا واقعا، طفح الكيل بعد أن بان الحق ساطعا، وضاق الحال بالناس ذرعا. هم اليوم في انتظار قول يقطع الشك باليقين،  مخافة أن يركل القانون بين الساقين. وفي غياب المؤسسات، تشرئب أعناقهم إلى الشاشات، عسى منها يأتي التوضيح، ببيان كاف أو موقف صريح. وضع مؤسف يكاد يشق الحركة و يذهب الريح. كأن القرار الواضح لم يجد الريق في فم صاحبه لينطق به جهرا وهو الفصيح، موقف معلن يغني عن التلويح والتلميح. بل لما أعجبه التكتيك، ركن إلى التشبيك. أو كأنه لم يجد الحبر ولا الورق لتدوين رأيه في المصير، وهو الكاتب القدير، والمفكر النحرير، وكأنما لا يعير اهتماما لإخوانه ولا لجميع التزاماته، وتواصُل الحركة واستقرارها لا يعنيه أو من آخر اهتماماته.

طال صمت من بيده الحل، والانتظار قاتل ممل. البعض مطمئن، والغالبية تئن. ومع مرور الزمن، تغير من القناعات الكثير، ممن لم يعد يجد أعذاراً للتبرير. فقد أُهدِر ما يكفي من الوقت و لايزال يزحف، وغابت القرارات التي تهدئ ومن التوتر تخفف، وقليل من ينتظرها من يد ترجف. لقد تمترس الرئيس وراء أعذار، لينقلب على مسار، وأغار على حق فسلبه، ثم لاذ بصمت و توارى به، حتى طال الأمد على لُبد.

ومن ردود الأفعال، أن يصعد بعضهم الأكمة الاعلامية ليسمعنا الكلام، ويعود مرتاح البال وضميره في سلام، وقد أفرغ ما في جعبته ليكشف عن كل الشقوق، بينما تمدد الرئيس وسلبنا الحقوق. يروى أن رجلًا أغير على إبله فأخذت منه ، فلما تواروا صعد أكمة وجعل يشتمهم ، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله ، فقال :« أوسعتهم سبّا وأودوا بالإبل». إن السياسي لا يغضب ولا يتسرع، لايستقيل ولعرضه يتبرع. والمستعجل يسارع بالمغادرة ليرضي نفسه بالظهور على المنابر، رغم معرفته أنه مثل صاحب الإبل لكنه يكابر.

أخي الرئيس،

لقد تذكرت وأنا أخط هذه الفقرات، أنك قد وعدت بالتخلي بدل المرة مرات. وأنت من نذر نفسه للمشروع ورفعته وربطته بشرفك، لكنه اليوم يؤتى من طرفك.. وليس لدي أدنى شك في إيمانك و وطنيتك. فلماذا لا تنفذ ما وعدت، وإنا لنراك قد حدت،  عما كنا وإياك نريد، ولتعذرني على كلمات التحامل فلم يعد وضع الحركة ولا البلاد يحتمل المزيد.

أخي الرئيس،

حان الوقت لتلبية المطالب. فإن لم تفعل،... الله غالب، الله غالب، الله غالب..

بقلم م/مسعود جبارة، 13 نوفمبر 2020