الأحد، 27 ديسمبر 2020

هل استنفذت النهضة أغراضها ؟

بقلم م. مسعود جبارة.

18اكتوبر 2019.

استفزني إلى حد الإيلام أن يسبقنا المترشح للرئاسيات قيس سعيد في الدعوة إلى نظافة الذمة وطهارة النفس ومقاومة الفساد قولا وفعلا، بالدعاية وبالقدوة.. وقد جنت علينا براقش الفصل والتبرؤ من الدعوي... ورغم ذلك الوجع الخفي، كبر الرجل في عيني وازددت احتراما له وتقديرا لوضوح مواقفه ومباشرتها، كما أعجب به الناخب التونسي فاجمع على اختياره.


ثم زاد في استفزازي أن يستكثر بعض إخواني على الرئيس قيس سعيد تواضعه وقراره عدم الانتقال إلى السكن في القصور الرئاسية الفخمة بغرفها الفسيحة ومطاعمها الفاخرة. واختار أن يسعه بيته -خارج اوقات العمل- حيث قال أنه يفضل البقاء بين أهله وجيرانه، في حيه الشعبي، يمشي في شوارعه وأزقته، و يرتاد مقاهي مدينته وأسواقها ومساجدها وقد يحضر من حين لآخر العروض السينمائية والمسرحية  في دور الثقافة ومع جمهور المواطنين . .

 فإذ تخلفنا ولم نسبقه إلى الخير، فلا أقل من أن نصمت ولا نزيد من ترسيخ صورة ذهنية وتتدعم كل يوم أننا أصبحنا جزءا من منظومة (السيستام) الشد الى الوراء..

أستغرب أن أحدا من نواب الشعب وخاصة الكتل الكبرى، بكل ألوانهم الفكرية، وبعد ثلاث دورات نيابية متتالية لبعضهم، لم يطرح  ولاينوي اقتراح مشروع قانون لمراجعة استحقاقات الوزراء وامتيازاتهم،  وكذا المدراء العامين للمؤسسات الكبرى، نحو تقليصها لتستوي رواتبهم مع السلم الوظيفي للمعلم والموظف العمومي.. نواب أعجبهم التمترس وراء قانون الحصانة سيء الذكر ويتمسكون به، هل من طموحاتهم أو أحلامهم، أن يسود نظام دولي عادل وبدون امتياز الفيتو...

وأستهجن أن أربعة رؤساء أجلستهم الثورة على كرسي قرطاج، ورغم ذلك فرحوا بميراث بن علي واستمتعوا بالامتيازات التي فصلها المستبد الفاسد لنفسه.. واستنكر أن أجهزة الدولة لم تقم بإيقاف ذاك الراتب الضخم، وقطعه عنهم تماما، بما أن الرئيس  يحظى بخدمات مجانية في السكن والمأكل والمشرب والتنقل خلال مدة حكمه، وأنه لا يستحق ذات المبلغ بعد خروجه. 

استثارني أيضا سلوك العديد ممن أعرف من القيادات السياسية والحزبية عندما استؤمنوا على وزارات وإدارات لمؤسسات هامة فأظهروا حبا للفنادق وراحتها، والمكاتب العريضة وفخامتها، والأسفار الكثيرة على الدرجة الاولى. وفي المقابل، تمعضا من زهد المرحوم الدكتور منصف بن سالم وحرصه على التنقل الى مكتبه الوزاري على شاحنته الخاصة.

لقد جاءتنا فرصة تاريخية لإعادة توجيه الناس نحو غاية الوجود والخلق، عبادة الله وحده، بممارسة صحيحة لوظيفة الاستخلاف وذلك بإعلاء قيم العدل والإنصاف وزرع الأخلاق الإسلامية في حياتهم، وإثبات، بالدليل العملي، أن شريعة الله هي الأنسب للانسانية..فأضعناها وفرطنا فيها بركوننا إلى الدنيا وارضاء هوى هارون وهامان رغم سقوط فرعون.

هل فعلا مازال الخلفاء الراشدون وصحابة رسول الله (صلعم) نماذج يلهمون أبناء مشروع الإحياء الاسلامي في هذا العصر ؟ ولماذا توقفت قيادات، رغم أنها تربت في أحضان الإتجاه الإسلامي وأدبياته، عن الاقتداء باؤلئك الحكام من المسلمين الأوائل في العصر النبوي والخلافة الراشدة، بل هل تخلت حتى عن الاهتداء بأخلاقهم و محاكاة صفاتهم وتقليد أدائهم نجاعة وكفاءة..بل لم يوفقوا حتى في اتباع وزراء الدول الاسكندينافية ونهجهم في الحكم وبساطة عيشهم بين الناس..

ألم تستقطب شباب حركة الاتجاه الاسلامي أدبيات تمجد وفاء الخليفة الأول أبي بكر واخلاصه لصاحبه و للرسالة ومبادئها الإنسانية، ثم حزمه في مواجهة الردة وتحديات الحكم، وتعلي شأن عدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و مع قوته كان انصافه وتفانيه في خدمة رعيته ومواطنيه وانصاته للمرأة والطفل، في المسجد وفي الأحياء، قريبا منهم يستمع إلى نبضهم ويخدمهم ليلا ونهارا... وكذلك كان ورع الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وحكمة سيدنا علي بن أبي طالب وشجاعته، وزهد الخليفة الخامس عمر ابن عبدالعزيز وازدهار اقتصاد دولته.

ألم يجتمع شباب تأسيس الصحوة الأولى في تونس حول هذه المبادئ الاسلامية التي بها صارعنا الفكر اليساري فصرعناه.. فإن ابتغينا العز في غير ذلك من براغماتية بجرعة زائدة وتزلف مبالغ للثقافة السياسية السائدة، لماذا نستكثر على شباب اليوم  تشوقه إلى الحرية والكرامة على منوال أبي ذر ؟

قوموا إلى دولتكم بناء وتنمية وإلى خدمة شعبكم بتواضع وتودد. يرحمكم الله. 

 {... وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}. (38) سورة محمد.

#الشعب_أراد و #لاتوافق_مع_الجراد. 

#نعم_للثورة #لا_للحصانة

الخميس، 17 ديسمبر 2020

الحيلة في ترك الحيل.

 بقلم مسعود جبارة

يروى أنه كان في بلد العم سام، رجل قانون يعمل ك محام أو يقوم المقام.  قرر ذات مرة أن يتذاكى، ففكر وقدر عند اليقظة وقبل المنام.

كان صاحبنا مدخنا وعلى جميع أنواعه مدمن، فعزم واشترى علبة سيجار نادرة جدًا وباهظة الثمن، ثم قام بتأمينها تأمينا شاملا ضد الحريق وكل حوادث الزمن. 

وبعد شهر و إتمام تدخينه كامل العلبة بيده الشمال أو اليمين، رفع دعوى ضد شركة التأمين، مدعيًا أن السيجار قد تم


تدميره، "في سلسلة من الحرائق الصغيرة".

 وبطبيعة الحال نزلت الدعوى على شركة التأمين كقذيفة مدفع، فتفاجأت واستغربت واستهجنت ورفضت الدفع، بحجة أنه استهلك السيجار بالطريقة العادية، وأن المدعي لا يعدو أن يكون مختلا أومحتالا وشكواه سادية. 

رفع المحامي دعواه إلى المحكمة وفاز. إذ خلص القاضي إلى عدم وجود أي ابتزاز. وهو محق حسب بنود العقد، وعلى الشركة التعويض وتسليمه حالا النقد.  لقد وجد القاضي أن شركة التأمين مسؤولة،  و حكم بالتعويض عن الحريق- حسب صياغة البوليصة - بمبالغ مالية معقولة، لأن الشركة قد فشلت في الحد من مسؤوليتها من خلال تحديد ما يمكن أن يكون بمثابة "حرائق غير مقبولة".


التزمت الشركة بمقتضى الحكم ولم تقابله بالرفض أو الاستخفاف، وبدلاً من أن تتحمل تكاليف رفع القضية إلى الاستئناف ، فقد دفعت له من الدولارات عشرات ألآلاف.. لكنها وبعد أن أتمت الإجراءات أبلغت الشرطة. فقد أثبتت عليه عملية الحرق وصار صاحبنا في ورطة. فتم القبض عليه  وعومل بصرامة،  وأدين في 24 تهمة إحراق ممتلكات مؤمنة عمدا، وحكم عليه في كل واحدة منها بالسجن لمدد طويلة وغرامة. 

 

جاء في لامية ابن الوردي:


 أطلبُ العِلمَ ولا تكسَلْ فمـا * * * أبعـدَ الخيرَ على أهـلِ الكَسَلْ

واهـجرِ النَّومَ وحصِّلهُ فمنْ * * * يعرفِ المطلوبَ يـحقرْ ما بَذَلْ

لا تـقلْ قـد ذهبتْ أربابُهُ * * * كلُّ من سارَ على الدَّربِ وصلْ


كــمْ شـجـاعٍ لــم يـنـلْ فيهاالمُـنـى::: وجـبــانٍ نــــالَ غــايــاتِ الأمــــلْ 

فـاتــركِ الحـيـلـةَ فـيـهــا واتَّــكِــل:::ْ إنـمـا الحيـلـةُ فــي تـــركِ الـحِـيَـلْ 

أيُّ كــفٍّ لــمْ تـنـلْ مـنـهـا الـمُـنـى ::: فـرمــاهــا اللهُ مـــنـــهُ بـالـشَّــلَــلْ 


م.ج. 15/12/2020

قمة الحميرية مع حمير القمة

 بقلم مسعود جبارة

المكان المناسب للحمار هو في مربط الحمير، وأن يقاد بلجام ويقيد بحبل قصير؛ الرباط يمنعه من الهروب، والقيد يحد من حركته ليعود مع الغروب. فإن حظي بزريبة مغطاة و أعطي القزاح والشعير، فمولاه رؤوف وصاحب ضمير. 
والأصل أن يربط الحمار في الإسطبل، فالحمير حمير بعد الثورة كما كانوا من قبل.

لكن بلدا اتخذ من الديمقراطية شعارا، قرر ذات سوق انتخابي أن يشتري حماراً ..ومن كبير فرحته به، قرر أن يرفعه إلى سطح القلعة نهارا. لم تنفع معارضة السكان و الأهل، ولا نُصحهم ألا يغادر الحمار الأرض و السهل. فالحمار عند هؤلاء فاقد للعقل، وأنه لا يصلح سوى للحملِ والنّقل، وربما استخدم لفلاحة الحقل.


لكن البلد أغدق على الحمار بدلال يظهره ويبديه ولا يخفيه،  فصار يختار له أطيب أنواع العلف ويقربه إلى فيه، ولا يبخل عليه بأجواء التسلية والترفيه. ثم بدؤوا يعرّفونه من فوق السطح على منطقتهم، وبذلوا في ذلك كل جهدهم وطاقتهم، حتّى يتعرّف على كل زقاق ودرب، عسى أن ينفعهم في زمن السلم والحرب، ويسهر على راحة القطيع والسرب..

وفي آخر النهار أرادوا أن يُنزِلوا الحمار من فوق السطح، فلم يقبل الحمار النّزول من برجه ومد قوائمه وانبطح، ثم وبعد الإلحاح بدأ بالدق وبالرفس والشطح، فيصك هذا ويرفس ذاك ويهاجم الآخر بالعض والنطح. توسّلوا له وحاولوا سحبه، فعاند ولم يقبل أبداً النزول عند رغبة شعبه. ومازال يدق السقف الخشبي رافضا التوقف، ولم ينته إلا عندما سقط به السقف. ولم يسلم أحد ولا شيء مع انهيار الشقف.
هكذا تكون نهاية من يصر على اغتصاب القمة، ومن يرى أن الحميرية ليست مذمة. من المتزلفين والمهوسين بالأضواء والاستغراض، فماتوا مع من مات تحت الأنقاض، ولم ينج إلا من تبرأ و غادر حفاظا على نسله من الانقراض.

#حمير_القمة
#قمة_الحميرية
6 ديسمبر 2020

الحياة ودروسها...والعلم " اللدني"

 بقلم: مسعود جبارة

استيقظت من نومها على حركة دبت في البيت.. واشتعل النور الكهربائي..  قامت من فراشها تفرك عينيها.. تمططت ثم تلمست بعض أطرافها وحكت جلدها وأبعدت شعرها المنكوش عن مجال بصرها. ثم نزلت من سريرها.. استنجدت بأمها لتغسل لها وجهها. فهي لم تتمم سنتها الثالثة من عمرها..  قدمت لها تلك الخدمة على عجل لأن اهتمامها كان ينصب في التحرك بسرعة بين غرف النوم وبيت الحمام والمطبخ وقاعة الجلوس. وكل شغلها في ذاك الصباح الباكر ، وككل يوم، كان ترتيب الفراش واحضار فطور الصباح، واختيار الملابس المناسبة لأخيها ذي الست سنوات، والذي التحق بالسنة الأولى ابتدائي قبل شهور، وهو يستعد للذهاب للمدرسة ككل يوم.

اشرأبت برقبتها فلم تسعفها قامتها القصيرة لترى ما فوق الطاولة. لم يبلغ بصرها مداه، فحدقت ب عينيها إلى أخيها وأمها وهما في حركة متواصلة من مكان إلى مكان. الأولى تأمر وتنهر وهو يصيح تارة وأخرى يحتج وينتفض.. وهي تتابعهما ببصرها وتتبعهما حيثما تحولا..


استغربت لماذا تصر الأم على خروج ابنها في هذا اليوم الشتوي القارس ومغادرته دفء البيت بل وإرساله إلى أماكن يبدو أنه ليس راغبا في الذهاب إليها. هناك سيحصر في مكان ضيق طول اليوم ويجبر على المكوث على كرسيه الساعات الطوال.
لماذا تصر أم على إجبار ابنها على ما يكره، وارساله إلى غرباء قد ينهرونه أو يسيئون معاملته وقد يعتدي عليه أحدهم أو يضربه الأقران. فكم مرة يعود وقد افتك منه أحدهم أدواته وألعابه أو رجع بأدباش متسخة بالحبر والغبار.. ولن تنسى يوم عاد باكيا وبعض زرقة حول عينه بعد حادث تعرض إليه.

رأسها الصغير يكاد ينفجر، عجز عن تفهم هذا السلوك الغريب المستهجن من أحن الناس وأرأفهم. ومن أرحم من الأم على ولدها. ؟. تشعر بالإلحاح داخلها يزداد ويضغط عليها فلم تتحمل ولم تصبر. تريد أن تجد تفسيرا لهذا التناقض الصارخ فلا تجده وترغب في التمرد والاحتجاج والرفض..

دارت الأيام دورتها، كبرت البنت وعركتها الحياة.. وأصبحت بدورها أما تقوم بنفس الدور.. جلست وفتحت مصحفها لتتلو وردها اليومي... وأجلست ابنتها في حجرها.. في صباح يوم الجمعة، وككل يوم جمعة، تعودت أن تقرأ سورة الكهف..  ووصلت إلى قصة سيدنا موسى ومصاحبته العبد الصالح؛ " عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ".  ‏‎توقفت عند القصص الثلاثة، واستعجال سيدنا موسى... سرحت بذهنها برهة، ثم تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى، لو صبر لأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام).

فهل نصبر على الحياة، وهي تقوم بدور العبد الصالح لنتعلم من دروسها ؟

#يوميات_ياسمين 
#الذكرى_العاشرة_للثورة
#تونس
17ديسمبر 2020

الجمعة، 13 نوفمبر 2020

وباء كورونا-مقاربة مختلفة

 وباء كورونا: القضاء عليه أم التعايش معه ؟

20 مارس 2020

بقلم م/مسعود جبارة.

ظهر فيروس كورونا مع نهاية 2019  ومثل وباء عابرا للحدود. ظهر أولا في الصين ومنها انتشر في جميع أرجاء المعمورة. فلم تسلم منه دولة. لكن كل واحدة منها تعاملت معه بطريقتها. منها من أنكره ، وهناك من تجاهله. وهناك من تعامل معه

وتفاعل، وهناك من واجهه بحزم. 

مقاربة الحرائق

إن الوباء لا يعترف بالحدود، ولا يطلب تأشيرة، ولا ينتظر ختم الدخول، بل يتسرب مع كل مسافر وينتشر انتشار النار في الهشيم.. و الوباء فعلا كالحرائق، لا فقط في قوة انتشارها، بل أيضا في طرق معالجتها. إنها إذا لم تعالج  بالتزامن فإن ألسنة اللهب ما تفتؤ ترتفع في المناطق التي لم تصلها الاطفائيات، بل إنها تعاود الاشتعال حتى في المناطق التي بذلت فيها جهود لإخماد نيرانها. 

ومع أن هذه حقائق تعرفها البشرية منذ زمن بعيد، أليس من الغريب إذا ما نحن فيه، من مقاربات في التصدي لوباء كورونا ؟

لماذا تعالج كل دولة الوباء على حدة كأنها تعيش وحدها في كوكب معزول، ثم بعد أن تفتح حدودها، ويعود الوباء في التفشي مرة أخرى، تعود إلى نفس الإجراءات الأحادية المكلفة، وباسم السيادة الكاذبة؟

 الإغلاق تام أو لا يكون.

الإغلاق والعزل ينهي الوباء تماما، لكنه لا يؤدي النتيجة المطلوبة إلا إذا كان شاملا وتاما. فلماذا انعدم التنسيق على مستوى الكوكب، أو كاد، في قرارات الإغلاق؟ لماذا غاب مجلس الأمن ولم يجتمع للموضوع؟ أليست البشرية كلها مهددة في سلامتها وأمنها من هذا العدو الذي لا يرى بالعين المجردة؟ ولم لم تلعب الهيئات الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة دورها في التنسيق لتزامن الإغلاقات، وحتى منظمة الصحة العالمية اقتصر دورها في كتابة البروتوكولات الصحية وإصدار الوصفات الطبية التي لم تكن تجدي لأن المرض غير معروف بدقة بعد. لماذا ذهبوا كلهم هذا المنحى وتركوا ماهو معروف ومجرب،  أي الإغلاق التام المتزامن على كل الدول بل كل المدن؟ أليس مدة إغلاق شامل قصيرة ستكون كافية للقضاء على الوباء من كوكبنا؟ والجميع، دولا وأفرادا، يستطيع تحمل تبعات إغلاق يدوم من أسبوعين إلى الشهر.  أليست تلك الطريقة أجدى وأنفع وأقل تكلفة بشرية واقتصادية من المقاربة الحالية المتواصلة على مدى كامل سنة 2020 وربما للسنة أو السنوات القادمة؟

مؤامرة اللقاح

هذه أسئلة بسيطة حيرتني منذ الشهر الأول لتفشي وباء كورونا ومازلت لا أجد لها جوابا كافيا.

لماذا تتسابق الدول وشركات الأدوية لانتاج اللقاح وبالتالي اختيار التعايش مع كورونا بدل القضاء نهائيا عليه بالعزل؟

 نحن نعيش عصر التواصل في الزمن الحقيقي والاتصالات بالصورة والصوت. فلا أجد سببا معقولا لعدم الإغلاق المتزامن إلا إذا كان هناك مكان لنظرية المؤامرة؛ مؤامرة لوبيات شركات صناعة الأدوية، أو مؤامرة بيل غيتس ومن على رأيه في تحجيم النمو البشري عبر انتاج المصل الذي يصل إلى الجينات البشرية ويحد من الخصوبة.. فهل نفرح بتقدم الأبحاث لاكتشاف اللقاح ؟

 الكوكب يحتاج راحة دورية.

عبر التاريخ، تطورت حقوق العمال من العمل النهاري- من الشروق إلى الغروب- إلى ساعات ثمانية يوميا، ثم تم اعتماد راحة يوم أسبوعية وأخرى بشهر سنويا. وتوقف المصانع سنويا وتصمت محركاتها لتخضع لصيانة دورية.  فما ضر لو توقفت تماما حركة البشر لمدة أسبوعين سنويا لتستريح الكرة الأرضية بكل من عليها وتستعيد عافيتها وتسترد البيئة أنفاسها.؟

من ذاتي لملذاتي

        من ذاتي لملذاتي،     


ذات يوم،
من حياتك،
ستزهر ورود قلبك
وستثمر أشجار حديقتك
وتتزين بالفرح أيامك وبالسعادة لياليك
وستدّعي تحقيق غاياتك.

ذات يوم
ومع فراق اللعين
ستنام قرير العين
بلا أرق ولا كوابيس
لتلقى الخلان والحبيب

يسقيك من ماء معين.
ذات يوم،
ستولد من جديد،
سيتساقط شعرك الأبيض،
ستتفتح الأغصان،
 فتنجلي الأحزان، وتنكسر القضبان،
ويسود المجد التليد.
.
م.ج.


.

مقامة (4): من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد .

(4) من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد . !!

بقلم م/مسعود جبارة. 30 سبتمبر 2020 

تزوج بدوي فتاة من قبيلته ذات حسن وأخلاق ودين وأدب، وكان يقوم و أبناء عمومته على خدمة القبيلة في سنين الرخاء والجدب. ولما تشاجر مع أحدهم وقتله، اضطر لمغادرة الديار والهرب. ومع زوجته "خرج منها خائفا يترقب"، خشية الثأر والانتقام وكانت تلك أعراف العرب. والتحق صاحبنا بقبيلة ثانية ومن شيخها تقرب -  ومن يتقرب من الشيوخ يرى العجب، وقد يؤذونه من دون سبب-  حتى أصبح ذو حظوة لديه فيستدعيه إلى مجالس اللهو والسمر والطرب.

وفي أحد الأيام وليرد له الجميل، ولو بالنزر القليل، استضاف الرجل الشيخَ وأكرمه بوليمة في البيت. ولما شاهد الزوجة سُحِر بجمالها وقال في نفسه يا ليت، واستولت على لبه وعقله وتذكر امرأة العزيز التي "غلقت الأبواب وقالت هيت".  ثم خطرت له فكرة شيطانية ، وهي أن يبعد الزوج عن المكان بفرمانات سلطانية. وأرسله بأي حجة إلى مكان فيه ربيع وعشب وشجر، لينفرد بالزوجة و ليقضي منها الوطر، ويخلو له الجو دون إزعاج ولا كدر.

ودع الرجل زوجته وسافر، كما أمره الشيخ عن طيب خاطر، عساه ينجز المهمة بنجاح ويعود بالصيد الوافر.

وعندما نام الناس وأرخى الليل سدوله، تسلل الشيخ إلى خيمة جارته بكل سهولة. وكانت المرأة تقوم الليل وحيدة ، وتسبح الله وتستغفره لساعات عديدة. وقبل أن يدخل عليها ارتطم في العمود، وسقط على التراب ولم يستطع الصمود، وأحدث صوتاً وضجيجا وجلبة، فسبحان من غير المشهد وقلبه. لقد انتبهت المرأة على الصوت وصاحت من القادم و ما الذي جاء به.؟ 

فرد الشيخ : أنا من استضافكم، أنا فلان شيخ القبيلة، وقد جئت اتفقدك وغايتي نبيلة.! جئت أسأل عن أحوالك، وقد أذهلني حسنك وجمالك، وأريد قربك ووصالك، وكل مالي وحلالي هو مالك !

فكرت البدوية وقالت: ليس لدي مانع . ولا أشترط الإبل ولا المزارع،  لكني اشترط الشخص البارع، في تفسير الأحلام وفك الألغاز،  ويستخلص الدرس عند نقل الحقيقة إلى مجاز. فقال هات ماعندك وهو مقتنع أنه قد فاز، فقد جمع كل التكتيك وخبر تقنياته و حاز. فتابعت : يا شيخنا، إن اختلف إثنان من القبيلة تدخل كبيرها بالصلح، وكي لا يجيف اللحم يرشون عليه الملح. "فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد" ؟! ولا تتسرع في الجواب، فلك أن تستعين بأي أحد.

عاد الشيخ أدراجه ليصلح من شأنه، فغسل ثوبه وأزال التراب عن ذقنه، وعمل ليلا ونهارا على حل اللغز يغزل ثم ينقض عهنه،  وما استطاع اخفاء شرود ذهنه.

فرض الشيخ على نفسه الحجر في بيته و لم يغادر المحل، يفكر ويقدر لكنه لم يهتد إلى الحل، فأسرّ أمره إلى مستشاره المبجل، الذي ذكره أن الملح مادة يذرونها كي لا يجيف اللحم، ليحفظوا ما زاد عن الطبخ والشواء على النار و الفحم.

وأضاف: يا شيخ، إنما أرادت البدوية الحرة أن تكسبك، لا أن تخسرك، فتزيد إلى أعدائها وأهلها عدوا بحجمك ومقامك، وتحفظ بعلها في غيابه وتسترك بأن لا يبلغه فعلك و كلامك، وهي تشير إلى قول الشاعر -أمير أهل الحديث- أبو سفيان الثوري: 

يا شيوخ العُرب يا ملح البلد *** من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

فهي تقصد إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح الملحُ اللحم ! فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد ؟!

 ثم أسرها في نفسه و أنشد، 

ما أتعس الأجداد من الوالد إلى الولد، ويا أسفي على الديار وأهلها والبلد، ويا قومي حذاري فإن الملح قد فسد. !

وزعموا أن هذه الإجابة أيقظت في شيخه ضميره النائم، وقلبه الهائم، وعقله الظالم، وأصابه الخجل الشديد من فعلته الشنعاء، وملأه الندم على ما كان منه من المكائد والمفاسد !

وقال:  أصبت كبد الحقيقة أيها لمستشار، وكي لا تلصق بي الفعلة وعلي تسجل، سنشيع أنك أنت من راود الفاتنة الساحرة، ! لتستر عليَّ زلتي سترك الله في الدنيا والآخرة !

مقامة الجلد الخشن، أو التوافق بين طبقة و شن.1-2-3

مقامة الجلد الخشن، أو التوافق بين طبقة و شن.

بقلم م/مسعود جبارة، 30 سبتمبر 2020

(1).

يحكى أن رجلا يتسم بالدهاء اسمه شن، يقال أن أصول قومه قدموا من عدن. فاستوطنوا البلاد الخضراء بصحة البدن. اكسبته الحياة تجربة وأثرت خبرته كثرة المحن. فقد طورد ولوحق بتهمة إشاعة الفتن. ثم هجّر من بلده بعد أن كان فيها سُجِن. 

عزم ذات يومٍ أن يسير باحثاً عن زوجة جميلة ساحرة من أي وطن. فسار أولا إلى مصر وفيها تقومج، ثم إلى الشام وفيه تخونج، وبعدهما استطاب المقام في مدينة تسمى لندن. فيها تحررت أفكاره وتعلم التكتيك على أنه حكمة بالغة جيئ بها له خصيصا من اليمن. 

ورافقه في تلك الرحلة صحب، هم كفاءات و خبرات من كل المهن. وتعاهدوا جميعا على التشاور وأن "احملني وأحملك" وأن لا يقلبوا أبدا لبعضهم البعض ظهر المجن. وأثناء السير الطويل جلسوا في ستراحة على شاطئ نهر  به مرفأ وسفن. وفجأة ظهرت من البحر عروس جاءتهم بشراب وعسل وزادتهم اللبن... وما إن رآها صاحبهم، تعلق بها وبها افتتن، وصاح من حينه: إنها طبقة! وهي لي وحدي، والتوافق مهرها، فأنا الزعيم وجلدي خشن، والعهد الذي بيني وبينكم كأن لم يكن. 

فتساءلوا بينهم: ترى هل جن ؟ قال بعضهم نهدده ونردعه وقال آخرون بل ننصحه ونعضه ونذكره بأن وراءه يوم الكفن. وقال مفتيهم: « ما اختلى حاكم بسلطة الا كان الشيطان ثالثهما». هذه قاعدة هي على رأس كل السنن....

(2).

لم يُعرف هل وافقت طبقة على شنّ،  أو أنها سترضى أن تكون له السكن،  لكن المؤكد أنه مستعد لدفع الثمن، فهو الزعيم وما ادراك ما الزعيم شن. فليس هو من ييأس من الفوز بعروس البحر، حتى وإن تطلب ذلك الاستعانة بالشعوذة والسحر. لقد عزم على طلبها في كل فج وإخراجها من أي جحر، واسترجاعها حتى و إن،  سبق و اختطفها عفريت من الجن. 

ثم جمع بطانة من الحاشية المقربين، واستكتب منهم أحد الدهاة المجربين؛ و كان شديد الطباع، واسع الاطلاع ، ويدعي معرفة ما ظهر وما بطن. ثم نادى في كل المدائن، أني عفوت عن كل خائن. والجميع لي دائن. وأرسل نداء استغاثة لجميع الأرياف و لكل المدن، فتجمع حوله الطامعون والطامحون، ويوم الزينة سيحشرون له ضحى كل كائن، النظيف مع من يصطاد في الماء العفن. وقال العرافون: إن تجز العطايا نؤتيك بها قبل أن يغمض لك جفن ؟ 

أما ماكان ممن ذكرنا من الأصحاب، فلم يتوقفوا عن نصحه بالزهد، و ترغيبه بالشهد، وأنهم مازالوا على العهد. ودعوه أن يتوقف عن اللهث وراء السراب،  فلم يجد نفعا تخويفهم له من العذاب، ولا استشهادهم بآي من الكتاب. ولا تذكيرهم بأن الله شديد العقاب....

بل كان ردة فعله أن استوقفهم عند الباب، ونعتهم بزوار الليل واتهمهم بالتحضير للانقلاب. ولوح باستعمال تهمة الإرهاب، والخيانة العظمى للوطن.  

وأضاف إن السياسة تكتيك وتدبير و فن. وأن طبقة من نصيبي وإن طال الزمن، وسأحارب من أجلها في عتمة الخفاء وفي وضح العلن. فأنا الزعيم وجلدي خشن. وتوعدهم بالقصاص مستشهدا بقوله تعالى «...وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ...»

(3).

" من تقدم في السن، يطلق عليه لقب الشيخ المسن، وله كل المحبة و الاحترام،  والتقدير عند السلام،  والتبجيل عند تقديم الطعام، والجلوس في المقدمة في صدر المجلس وفي الصف الأول خلف الإمام. احتراما لشيبته، واستفادة من خبرته، واستشارته لتنوع تجربته، وقد ترسخت مكانته وصارت حكمته أثبت وأمتن. 

ومع ذلك كله، فلنقر أنه للشيخوخة عيوب، رغم أن استعراضها غير محبوب، وإعلانها أو تعدادها مستهجن غير مرغوب،  ويحتاج إلى مهارة وأسلوب، وإلا وقعنا في مستنقع المعصية والعقوق وسقطنا في الذنوب، ومع ذلك فتجاهلها يمهد لعبادة الوثن. 

فالشباب أولى ممن تقدم به العمر، الذي لم يعد يصلح لتدبير ما يستجد من الأمر. لأن الشمس بعد بزوغها، تضيء أكثر من القمر. ومع ذلك، إذا طلع النهار، وعمت الأنوار، لن نسب الأقمار، التي نحتاجها في الظلماء والشدائد، والاستعانة بالحكماء يبدد الظلام السائد. 

 يتبع....

لذلك، فنحن ندعو الجميع للتوقف عن الخلط بين الأدوار والألقاب، فالرئيس أستاذ، والإمام شيخ، و لا يصلح أن يظل رئيسا بل مكانه أن يعود مؤدبا في الكتاب، أو مستشارا من وراء حجاب. 

أيها الرئيس وجميع الأخوة و الأحباب، وخاصة المصلحون من الأصحاب، تواصل خلطكم هذا تعمية و ضباب، ولن يستقبل إلا بالاستهجان والاستغراب، واعتبروا هذه المضمون رسالة عتاب. أما المخالفون فندعوهم أن لا يسلطوا على أخوتهم الذباب. ويبقى الباب مفتوحا للرأي المخالف إذ لا مناص من الاستماع إلى كل ناقد والرد عليه بما يناسب من الجواب. "

كانت هذه فقرة حملت معنى مما ورد في عريضة الأصحاب، التي وجهوها لرئيسهم شن. ..

يتبع..

.

على لُبَد، طال الأمد. مقامة (5).

 على لُبَد، طال الأمد. (5)

يُحكى أن لقمان كان يدعو ربه أن يمد في عمره. وقد استجاب الله لدعوته والنظر في أمره. فخيره بين البقاء بما يعادل عمر سبع بقرات، أو سبع نوايات تمرات، أو عمر سبعة نسور، كلما مات أحدها يعقبه أخوه من الطيور. وهكذا إلى أن تهلك جميعها، ولأن النسور تعيش فترة طويلة، فقد اختار لقمان ربط حياته بحياة هذه النسور المعمرة الجميلة.

وبدأ النسر الأول يعيش حياته ليبلغ قرابة الخمسمائة عام، ومع موته تبدأ مرحلة حياة النسر الثاني ليكمل الألف بالتمام.  وهكذا إلى أن هلك النسر السادس ذاته، ومعه دخل لقمان في آخر مرحلة من حياته، والتي ترتبط بمدة حياة النسر الكبير، فهو السابع والأخير. ولذا أطلق عليه اسم (لُبَد)، والذي يعني الدهر عند أهل ذاك البلد. 

المهم أن (لُبَد) عاش عمراً مضاعفاً بالمقارنة بعمر كل من النسور الستة الهالكة، حيث بلغ عمره ألف سنة سالكة. ورغم أن لقمان عاش معها أربعة آلاف عام، فقد مرت بسرعة كما تمر على غيره من الأنام، وكمن استيقظ ليروي حلما رآه في المنام. 

ونظراً لأن النسر الأخير كان عمّر طويلاً ، ولم يهلك كما هلك من سبقوه وعاشوا زمنا قليلا،  فقد أصبح مضرب المثل بين العرب، ليدل على أن الانتظار ممل ومتعب، وأن الفترة إن طالت فأنها تتمطط وتمتد،  فيُقال (طال الأمد على لُبَد)، والبعض يقول (طال الأبد على لُبَد).

لقد اختار الحاضرون في مؤتمرهم التاسع، والمؤتمر هو أعلى سلطة وبه تمثيل واسع، أن يحددوا لفترتين فقط مدة الرئاسة، وهي كافية ليصعّدوا نجما جديدا في عالم السياسة. وكما اختار لقمان أن لا تتجاوز حياته أعمار النسور السبعة، كان هؤلاء يرمون لبناء المستقبل بتصعيد شاب قائدا على ربعه، ثم ضمّنوا ذلك فصلا في القانون، ليكون عقدا لمن يوفي بالعهود ولا تغيره السنون.

(،)

 كل ما نخشاه، أن حكاية النسر(لبد) شبيهة بقيادة حركتنا التي تطيل أمدها الأخير، حتى جعلت الناس يتنابزون هذا مالك وذاك أجير.. وعندما رأوا التمطيط عيانا أمرا مفروضا واقعا، طفح الكيل بعد أن بان الحق ساطعا، وضاق الحال بالناس ذرعا. هم اليوم في انتظار قول يقطع الشك باليقين،  مخافة أن يركل القانون بين الساقين. وفي غياب المؤسسات، تشرئب أعناقهم إلى الشاشات، عسى منها يأتي التوضيح، ببيان كاف أو موقف صريح. وضع مؤسف يكاد يشق الحركة و يذهب الريح. كأن القرار الواضح لم يجد الريق في فم صاحبه لينطق به جهرا وهو الفصيح، موقف معلن يغني عن التلويح والتلميح. بل لما أعجبه التكتيك، ركن إلى التشبيك. أو كأنه لم يجد الحبر ولا الورق لتدوين رأيه في المصير، وهو الكاتب القدير، والمفكر النحرير، وكأنما لا يعير اهتماما لإخوانه ولا لجميع التزاماته، وتواصُل الحركة واستقرارها لا يعنيه أو من آخر اهتماماته.

طال صمت من بيده الحل، والانتظار قاتل ممل. البعض مطمئن، والغالبية تئن. ومع مرور الزمن، تغير من القناعات الكثير، ممن لم يعد يجد أعذاراً للتبرير. فقد أُهدِر ما يكفي من الوقت و لايزال يزحف، وغابت القرارات التي تهدئ ومن التوتر تخفف، وقليل من ينتظرها من يد ترجف. لقد تمترس الرئيس وراء أعذار، لينقلب على مسار، وأغار على حق فسلبه، ثم لاذ بصمت و توارى به، حتى طال الأمد على لُبد.

ومن ردود الأفعال، أن يصعد بعضهم الأكمة الاعلامية ليسمعنا الكلام، ويعود مرتاح البال وضميره في سلام، وقد أفرغ ما في جعبته ليكشف عن كل الشقوق، بينما تمدد الرئيس وسلبنا الحقوق. يروى أن رجلًا أغير على إبله فأخذت منه ، فلما تواروا صعد أكمة وجعل يشتمهم ، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله ، فقال :« أوسعتهم سبّا وأودوا بالإبل». إن السياسي لا يغضب ولا يتسرع، لايستقيل ولعرضه يتبرع. والمستعجل يسارع بالمغادرة ليرضي نفسه بالظهور على المنابر، رغم معرفته أنه مثل صاحب الإبل لكنه يكابر.

أخي الرئيس،

لقد تذكرت وأنا أخط هذه الفقرات، أنك قد وعدت بالتخلي بدل المرة مرات. وأنت من نذر نفسه للمشروع ورفعته وربطته بشرفك، لكنه اليوم يؤتى من طرفك.. وليس لدي أدنى شك في إيمانك و وطنيتك. فلماذا لا تنفذ ما وعدت، وإنا لنراك قد حدت،  عما كنا وإياك نريد، ولتعذرني على كلمات التحامل فلم يعد وضع الحركة ولا البلاد يحتمل المزيد.

أخي الرئيس،

حان الوقت لتلبية المطالب. فإن لم تفعل،... الله غالب، الله غالب، الله غالب..

بقلم م/مسعود جبارة، 13 نوفمبر 2020