الأحد، 27 ديسمبر 2020

هل استنفذت النهضة أغراضها ؟

بقلم م. مسعود جبارة.

18اكتوبر 2019.

استفزني إلى حد الإيلام أن يسبقنا المترشح للرئاسيات قيس سعيد في الدعوة إلى نظافة الذمة وطهارة النفس ومقاومة الفساد قولا وفعلا، بالدعاية وبالقدوة.. وقد جنت علينا براقش الفصل والتبرؤ من الدعوي... ورغم ذلك الوجع الخفي، كبر الرجل في عيني وازددت احتراما له وتقديرا لوضوح مواقفه ومباشرتها، كما أعجب به الناخب التونسي فاجمع على اختياره.


ثم زاد في استفزازي أن يستكثر بعض إخواني على الرئيس قيس سعيد تواضعه وقراره عدم الانتقال إلى السكن في القصور الرئاسية الفخمة بغرفها الفسيحة ومطاعمها الفاخرة. واختار أن يسعه بيته -خارج اوقات العمل- حيث قال أنه يفضل البقاء بين أهله وجيرانه، في حيه الشعبي، يمشي في شوارعه وأزقته، و يرتاد مقاهي مدينته وأسواقها ومساجدها وقد يحضر من حين لآخر العروض السينمائية والمسرحية  في دور الثقافة ومع جمهور المواطنين . .

 فإذ تخلفنا ولم نسبقه إلى الخير، فلا أقل من أن نصمت ولا نزيد من ترسيخ صورة ذهنية وتتدعم كل يوم أننا أصبحنا جزءا من منظومة (السيستام) الشد الى الوراء..

أستغرب أن أحدا من نواب الشعب وخاصة الكتل الكبرى، بكل ألوانهم الفكرية، وبعد ثلاث دورات نيابية متتالية لبعضهم، لم يطرح  ولاينوي اقتراح مشروع قانون لمراجعة استحقاقات الوزراء وامتيازاتهم،  وكذا المدراء العامين للمؤسسات الكبرى، نحو تقليصها لتستوي رواتبهم مع السلم الوظيفي للمعلم والموظف العمومي.. نواب أعجبهم التمترس وراء قانون الحصانة سيء الذكر ويتمسكون به، هل من طموحاتهم أو أحلامهم، أن يسود نظام دولي عادل وبدون امتياز الفيتو...

وأستهجن أن أربعة رؤساء أجلستهم الثورة على كرسي قرطاج، ورغم ذلك فرحوا بميراث بن علي واستمتعوا بالامتيازات التي فصلها المستبد الفاسد لنفسه.. واستنكر أن أجهزة الدولة لم تقم بإيقاف ذاك الراتب الضخم، وقطعه عنهم تماما، بما أن الرئيس  يحظى بخدمات مجانية في السكن والمأكل والمشرب والتنقل خلال مدة حكمه، وأنه لا يستحق ذات المبلغ بعد خروجه. 

استثارني أيضا سلوك العديد ممن أعرف من القيادات السياسية والحزبية عندما استؤمنوا على وزارات وإدارات لمؤسسات هامة فأظهروا حبا للفنادق وراحتها، والمكاتب العريضة وفخامتها، والأسفار الكثيرة على الدرجة الاولى. وفي المقابل، تمعضا من زهد المرحوم الدكتور منصف بن سالم وحرصه على التنقل الى مكتبه الوزاري على شاحنته الخاصة.

لقد جاءتنا فرصة تاريخية لإعادة توجيه الناس نحو غاية الوجود والخلق، عبادة الله وحده، بممارسة صحيحة لوظيفة الاستخلاف وذلك بإعلاء قيم العدل والإنصاف وزرع الأخلاق الإسلامية في حياتهم، وإثبات، بالدليل العملي، أن شريعة الله هي الأنسب للانسانية..فأضعناها وفرطنا فيها بركوننا إلى الدنيا وارضاء هوى هارون وهامان رغم سقوط فرعون.

هل فعلا مازال الخلفاء الراشدون وصحابة رسول الله (صلعم) نماذج يلهمون أبناء مشروع الإحياء الاسلامي في هذا العصر ؟ ولماذا توقفت قيادات، رغم أنها تربت في أحضان الإتجاه الإسلامي وأدبياته، عن الاقتداء باؤلئك الحكام من المسلمين الأوائل في العصر النبوي والخلافة الراشدة، بل هل تخلت حتى عن الاهتداء بأخلاقهم و محاكاة صفاتهم وتقليد أدائهم نجاعة وكفاءة..بل لم يوفقوا حتى في اتباع وزراء الدول الاسكندينافية ونهجهم في الحكم وبساطة عيشهم بين الناس..

ألم تستقطب شباب حركة الاتجاه الاسلامي أدبيات تمجد وفاء الخليفة الأول أبي بكر واخلاصه لصاحبه و للرسالة ومبادئها الإنسانية، ثم حزمه في مواجهة الردة وتحديات الحكم، وتعلي شأن عدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و مع قوته كان انصافه وتفانيه في خدمة رعيته ومواطنيه وانصاته للمرأة والطفل، في المسجد وفي الأحياء، قريبا منهم يستمع إلى نبضهم ويخدمهم ليلا ونهارا... وكذلك كان ورع الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وحكمة سيدنا علي بن أبي طالب وشجاعته، وزهد الخليفة الخامس عمر ابن عبدالعزيز وازدهار اقتصاد دولته.

ألم يجتمع شباب تأسيس الصحوة الأولى في تونس حول هذه المبادئ الاسلامية التي بها صارعنا الفكر اليساري فصرعناه.. فإن ابتغينا العز في غير ذلك من براغماتية بجرعة زائدة وتزلف مبالغ للثقافة السياسية السائدة، لماذا نستكثر على شباب اليوم  تشوقه إلى الحرية والكرامة على منوال أبي ذر ؟

قوموا إلى دولتكم بناء وتنمية وإلى خدمة شعبكم بتواضع وتودد. يرحمكم الله. 

 {... وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}. (38) سورة محمد.

#الشعب_أراد و #لاتوافق_مع_الجراد. 

#نعم_للثورة #لا_للحصانة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق