بقلم: مسعود جبارة
استيقظت من نومها على حركة دبت في البيت.. واشتعل النور الكهربائي.. قامت من فراشها تفرك عينيها.. تمططت ثم تلمست بعض أطرافها وحكت جلدها وأبعدت شعرها المنكوش عن مجال بصرها. ثم نزلت من سريرها.. استنجدت بأمها لتغسل لها وجهها. فهي لم تتمم سنتها الثالثة من عمرها.. قدمت لها تلك الخدمة على عجل لأن اهتمامها كان ينصب في التحرك بسرعة بين غرف النوم وبيت الحمام والمطبخ وقاعة الجلوس. وكل شغلها في ذاك الصباح الباكر ، وككل يوم، كان ترتيب الفراش واحضار فطور الصباح، واختيار الملابس المناسبة لأخيها ذي الست سنوات، والذي التحق بالسنة الأولى ابتدائي قبل شهور، وهو يستعد للذهاب للمدرسة ككل يوم.
اشرأبت برقبتها فلم تسعفها قامتها القصيرة لترى ما فوق الطاولة. لم يبلغ بصرها مداه، فحدقت ب عينيها إلى أخيها وأمها وهما في حركة متواصلة من مكان إلى مكان. الأولى تأمر وتنهر وهو يصيح تارة وأخرى يحتج وينتفض.. وهي تتابعهما ببصرها وتتبعهما حيثما تحولا..
رأسها الصغير يكاد ينفجر، عجز عن تفهم هذا السلوك الغريب المستهجن من أحن الناس وأرأفهم. ومن أرحم من الأم على ولدها. ؟. تشعر بالإلحاح داخلها يزداد ويضغط عليها فلم تتحمل ولم تصبر. تريد أن تجد تفسيرا لهذا التناقض الصارخ فلا تجده وترغب في التمرد والاحتجاج والرفض..
دارت الأيام دورتها، كبرت البنت وعركتها الحياة.. وأصبحت بدورها أما تقوم بنفس الدور.. جلست وفتحت مصحفها لتتلو وردها اليومي... وأجلست ابنتها في حجرها.. في صباح يوم الجمعة، وككل يوم جمعة، تعودت أن تقرأ سورة الكهف.. ووصلت إلى قصة سيدنا موسى ومصاحبته العبد الصالح؛ " عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ". توقفت عند القصص الثلاثة، واستعجال سيدنا موسى... سرحت بذهنها برهة، ثم تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى، لو صبر لأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام).
فهل نصبر على الحياة، وهي تقوم بدور العبد الصالح لنتعلم من دروسها ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق