الخميس، 17 ديسمبر 2020

الحياة ودروسها...والعلم " اللدني"

 بقلم: مسعود جبارة

استيقظت من نومها على حركة دبت في البيت.. واشتعل النور الكهربائي..  قامت من فراشها تفرك عينيها.. تمططت ثم تلمست بعض أطرافها وحكت جلدها وأبعدت شعرها المنكوش عن مجال بصرها. ثم نزلت من سريرها.. استنجدت بأمها لتغسل لها وجهها. فهي لم تتمم سنتها الثالثة من عمرها..  قدمت لها تلك الخدمة على عجل لأن اهتمامها كان ينصب في التحرك بسرعة بين غرف النوم وبيت الحمام والمطبخ وقاعة الجلوس. وكل شغلها في ذاك الصباح الباكر ، وككل يوم، كان ترتيب الفراش واحضار فطور الصباح، واختيار الملابس المناسبة لأخيها ذي الست سنوات، والذي التحق بالسنة الأولى ابتدائي قبل شهور، وهو يستعد للذهاب للمدرسة ككل يوم.

اشرأبت برقبتها فلم تسعفها قامتها القصيرة لترى ما فوق الطاولة. لم يبلغ بصرها مداه، فحدقت ب عينيها إلى أخيها وأمها وهما في حركة متواصلة من مكان إلى مكان. الأولى تأمر وتنهر وهو يصيح تارة وأخرى يحتج وينتفض.. وهي تتابعهما ببصرها وتتبعهما حيثما تحولا..


استغربت لماذا تصر الأم على خروج ابنها في هذا اليوم الشتوي القارس ومغادرته دفء البيت بل وإرساله إلى أماكن يبدو أنه ليس راغبا في الذهاب إليها. هناك سيحصر في مكان ضيق طول اليوم ويجبر على المكوث على كرسيه الساعات الطوال.
لماذا تصر أم على إجبار ابنها على ما يكره، وارساله إلى غرباء قد ينهرونه أو يسيئون معاملته وقد يعتدي عليه أحدهم أو يضربه الأقران. فكم مرة يعود وقد افتك منه أحدهم أدواته وألعابه أو رجع بأدباش متسخة بالحبر والغبار.. ولن تنسى يوم عاد باكيا وبعض زرقة حول عينه بعد حادث تعرض إليه.

رأسها الصغير يكاد ينفجر، عجز عن تفهم هذا السلوك الغريب المستهجن من أحن الناس وأرأفهم. ومن أرحم من الأم على ولدها. ؟. تشعر بالإلحاح داخلها يزداد ويضغط عليها فلم تتحمل ولم تصبر. تريد أن تجد تفسيرا لهذا التناقض الصارخ فلا تجده وترغب في التمرد والاحتجاج والرفض..

دارت الأيام دورتها، كبرت البنت وعركتها الحياة.. وأصبحت بدورها أما تقوم بنفس الدور.. جلست وفتحت مصحفها لتتلو وردها اليومي... وأجلست ابنتها في حجرها.. في صباح يوم الجمعة، وككل يوم جمعة، تعودت أن تقرأ سورة الكهف..  ووصلت إلى قصة سيدنا موسى ومصاحبته العبد الصالح؛ " عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ".  ‏‎توقفت عند القصص الثلاثة، واستعجال سيدنا موسى... سرحت بذهنها برهة، ثم تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى، لو صبر لأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام).

فهل نصبر على الحياة، وهي تقوم بدور العبد الصالح لنتعلم من دروسها ؟

#يوميات_ياسمين 
#الذكرى_العاشرة_للثورة
#تونس
17ديسمبر 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق