الجمعة، 13 نوفمبر 2020

على لُبَد، طال الأمد. مقامة (5).

 على لُبَد، طال الأمد. (5)

يُحكى أن لقمان كان يدعو ربه أن يمد في عمره. وقد استجاب الله لدعوته والنظر في أمره. فخيره بين البقاء بما يعادل عمر سبع بقرات، أو سبع نوايات تمرات، أو عمر سبعة نسور، كلما مات أحدها يعقبه أخوه من الطيور. وهكذا إلى أن تهلك جميعها، ولأن النسور تعيش فترة طويلة، فقد اختار لقمان ربط حياته بحياة هذه النسور المعمرة الجميلة.

وبدأ النسر الأول يعيش حياته ليبلغ قرابة الخمسمائة عام، ومع موته تبدأ مرحلة حياة النسر الثاني ليكمل الألف بالتمام.  وهكذا إلى أن هلك النسر السادس ذاته، ومعه دخل لقمان في آخر مرحلة من حياته، والتي ترتبط بمدة حياة النسر الكبير، فهو السابع والأخير. ولذا أطلق عليه اسم (لُبَد)، والذي يعني الدهر عند أهل ذاك البلد. 

المهم أن (لُبَد) عاش عمراً مضاعفاً بالمقارنة بعمر كل من النسور الستة الهالكة، حيث بلغ عمره ألف سنة سالكة. ورغم أن لقمان عاش معها أربعة آلاف عام، فقد مرت بسرعة كما تمر على غيره من الأنام، وكمن استيقظ ليروي حلما رآه في المنام. 

ونظراً لأن النسر الأخير كان عمّر طويلاً ، ولم يهلك كما هلك من سبقوه وعاشوا زمنا قليلا،  فقد أصبح مضرب المثل بين العرب، ليدل على أن الانتظار ممل ومتعب، وأن الفترة إن طالت فأنها تتمطط وتمتد،  فيُقال (طال الأمد على لُبَد)، والبعض يقول (طال الأبد على لُبَد).

لقد اختار الحاضرون في مؤتمرهم التاسع، والمؤتمر هو أعلى سلطة وبه تمثيل واسع، أن يحددوا لفترتين فقط مدة الرئاسة، وهي كافية ليصعّدوا نجما جديدا في عالم السياسة. وكما اختار لقمان أن لا تتجاوز حياته أعمار النسور السبعة، كان هؤلاء يرمون لبناء المستقبل بتصعيد شاب قائدا على ربعه، ثم ضمّنوا ذلك فصلا في القانون، ليكون عقدا لمن يوفي بالعهود ولا تغيره السنون.

(،)

 كل ما نخشاه، أن حكاية النسر(لبد) شبيهة بقيادة حركتنا التي تطيل أمدها الأخير، حتى جعلت الناس يتنابزون هذا مالك وذاك أجير.. وعندما رأوا التمطيط عيانا أمرا مفروضا واقعا، طفح الكيل بعد أن بان الحق ساطعا، وضاق الحال بالناس ذرعا. هم اليوم في انتظار قول يقطع الشك باليقين،  مخافة أن يركل القانون بين الساقين. وفي غياب المؤسسات، تشرئب أعناقهم إلى الشاشات، عسى منها يأتي التوضيح، ببيان كاف أو موقف صريح. وضع مؤسف يكاد يشق الحركة و يذهب الريح. كأن القرار الواضح لم يجد الريق في فم صاحبه لينطق به جهرا وهو الفصيح، موقف معلن يغني عن التلويح والتلميح. بل لما أعجبه التكتيك، ركن إلى التشبيك. أو كأنه لم يجد الحبر ولا الورق لتدوين رأيه في المصير، وهو الكاتب القدير، والمفكر النحرير، وكأنما لا يعير اهتماما لإخوانه ولا لجميع التزاماته، وتواصُل الحركة واستقرارها لا يعنيه أو من آخر اهتماماته.

طال صمت من بيده الحل، والانتظار قاتل ممل. البعض مطمئن، والغالبية تئن. ومع مرور الزمن، تغير من القناعات الكثير، ممن لم يعد يجد أعذاراً للتبرير. فقد أُهدِر ما يكفي من الوقت و لايزال يزحف، وغابت القرارات التي تهدئ ومن التوتر تخفف، وقليل من ينتظرها من يد ترجف. لقد تمترس الرئيس وراء أعذار، لينقلب على مسار، وأغار على حق فسلبه، ثم لاذ بصمت و توارى به، حتى طال الأمد على لُبد.

ومن ردود الأفعال، أن يصعد بعضهم الأكمة الاعلامية ليسمعنا الكلام، ويعود مرتاح البال وضميره في سلام، وقد أفرغ ما في جعبته ليكشف عن كل الشقوق، بينما تمدد الرئيس وسلبنا الحقوق. يروى أن رجلًا أغير على إبله فأخذت منه ، فلما تواروا صعد أكمة وجعل يشتمهم ، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله ، فقال :« أوسعتهم سبّا وأودوا بالإبل». إن السياسي لا يغضب ولا يتسرع، لايستقيل ولعرضه يتبرع. والمستعجل يسارع بالمغادرة ليرضي نفسه بالظهور على المنابر، رغم معرفته أنه مثل صاحب الإبل لكنه يكابر.

أخي الرئيس،

لقد تذكرت وأنا أخط هذه الفقرات، أنك قد وعدت بالتخلي بدل المرة مرات. وأنت من نذر نفسه للمشروع ورفعته وربطته بشرفك، لكنه اليوم يؤتى من طرفك.. وليس لدي أدنى شك في إيمانك و وطنيتك. فلماذا لا تنفذ ما وعدت، وإنا لنراك قد حدت،  عما كنا وإياك نريد، ولتعذرني على كلمات التحامل فلم يعد وضع الحركة ولا البلاد يحتمل المزيد.

أخي الرئيس،

حان الوقت لتلبية المطالب. فإن لم تفعل،... الله غالب، الله غالب، الله غالب..

بقلم م/مسعود جبارة، 13 نوفمبر 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق