الجمعة، 13 نوفمبر 2020

مقامة الجلد الخشن، أو التوافق بين طبقة و شن.1-2-3

مقامة الجلد الخشن، أو التوافق بين طبقة و شن.

بقلم م/مسعود جبارة، 30 سبتمبر 2020

(1).

يحكى أن رجلا يتسم بالدهاء اسمه شن، يقال أن أصول قومه قدموا من عدن. فاستوطنوا البلاد الخضراء بصحة البدن. اكسبته الحياة تجربة وأثرت خبرته كثرة المحن. فقد طورد ولوحق بتهمة إشاعة الفتن. ثم هجّر من بلده بعد أن كان فيها سُجِن. 

عزم ذات يومٍ أن يسير باحثاً عن زوجة جميلة ساحرة من أي وطن. فسار أولا إلى مصر وفيها تقومج، ثم إلى الشام وفيه تخونج، وبعدهما استطاب المقام في مدينة تسمى لندن. فيها تحررت أفكاره وتعلم التكتيك على أنه حكمة بالغة جيئ بها له خصيصا من اليمن. 

ورافقه في تلك الرحلة صحب، هم كفاءات و خبرات من كل المهن. وتعاهدوا جميعا على التشاور وأن "احملني وأحملك" وأن لا يقلبوا أبدا لبعضهم البعض ظهر المجن. وأثناء السير الطويل جلسوا في ستراحة على شاطئ نهر  به مرفأ وسفن. وفجأة ظهرت من البحر عروس جاءتهم بشراب وعسل وزادتهم اللبن... وما إن رآها صاحبهم، تعلق بها وبها افتتن، وصاح من حينه: إنها طبقة! وهي لي وحدي، والتوافق مهرها، فأنا الزعيم وجلدي خشن، والعهد الذي بيني وبينكم كأن لم يكن. 

فتساءلوا بينهم: ترى هل جن ؟ قال بعضهم نهدده ونردعه وقال آخرون بل ننصحه ونعضه ونذكره بأن وراءه يوم الكفن. وقال مفتيهم: « ما اختلى حاكم بسلطة الا كان الشيطان ثالثهما». هذه قاعدة هي على رأس كل السنن....

(2).

لم يُعرف هل وافقت طبقة على شنّ،  أو أنها سترضى أن تكون له السكن،  لكن المؤكد أنه مستعد لدفع الثمن، فهو الزعيم وما ادراك ما الزعيم شن. فليس هو من ييأس من الفوز بعروس البحر، حتى وإن تطلب ذلك الاستعانة بالشعوذة والسحر. لقد عزم على طلبها في كل فج وإخراجها من أي جحر، واسترجاعها حتى و إن،  سبق و اختطفها عفريت من الجن. 

ثم جمع بطانة من الحاشية المقربين، واستكتب منهم أحد الدهاة المجربين؛ و كان شديد الطباع، واسع الاطلاع ، ويدعي معرفة ما ظهر وما بطن. ثم نادى في كل المدائن، أني عفوت عن كل خائن. والجميع لي دائن. وأرسل نداء استغاثة لجميع الأرياف و لكل المدن، فتجمع حوله الطامعون والطامحون، ويوم الزينة سيحشرون له ضحى كل كائن، النظيف مع من يصطاد في الماء العفن. وقال العرافون: إن تجز العطايا نؤتيك بها قبل أن يغمض لك جفن ؟ 

أما ماكان ممن ذكرنا من الأصحاب، فلم يتوقفوا عن نصحه بالزهد، و ترغيبه بالشهد، وأنهم مازالوا على العهد. ودعوه أن يتوقف عن اللهث وراء السراب،  فلم يجد نفعا تخويفهم له من العذاب، ولا استشهادهم بآي من الكتاب. ولا تذكيرهم بأن الله شديد العقاب....

بل كان ردة فعله أن استوقفهم عند الباب، ونعتهم بزوار الليل واتهمهم بالتحضير للانقلاب. ولوح باستعمال تهمة الإرهاب، والخيانة العظمى للوطن.  

وأضاف إن السياسة تكتيك وتدبير و فن. وأن طبقة من نصيبي وإن طال الزمن، وسأحارب من أجلها في عتمة الخفاء وفي وضح العلن. فأنا الزعيم وجلدي خشن. وتوعدهم بالقصاص مستشهدا بقوله تعالى «...وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ...»

(3).

" من تقدم في السن، يطلق عليه لقب الشيخ المسن، وله كل المحبة و الاحترام،  والتقدير عند السلام،  والتبجيل عند تقديم الطعام، والجلوس في المقدمة في صدر المجلس وفي الصف الأول خلف الإمام. احتراما لشيبته، واستفادة من خبرته، واستشارته لتنوع تجربته، وقد ترسخت مكانته وصارت حكمته أثبت وأمتن. 

ومع ذلك كله، فلنقر أنه للشيخوخة عيوب، رغم أن استعراضها غير محبوب، وإعلانها أو تعدادها مستهجن غير مرغوب،  ويحتاج إلى مهارة وأسلوب، وإلا وقعنا في مستنقع المعصية والعقوق وسقطنا في الذنوب، ومع ذلك فتجاهلها يمهد لعبادة الوثن. 

فالشباب أولى ممن تقدم به العمر، الذي لم يعد يصلح لتدبير ما يستجد من الأمر. لأن الشمس بعد بزوغها، تضيء أكثر من القمر. ومع ذلك، إذا طلع النهار، وعمت الأنوار، لن نسب الأقمار، التي نحتاجها في الظلماء والشدائد، والاستعانة بالحكماء يبدد الظلام السائد. 

 يتبع....

لذلك، فنحن ندعو الجميع للتوقف عن الخلط بين الأدوار والألقاب، فالرئيس أستاذ، والإمام شيخ، و لا يصلح أن يظل رئيسا بل مكانه أن يعود مؤدبا في الكتاب، أو مستشارا من وراء حجاب. 

أيها الرئيس وجميع الأخوة و الأحباب، وخاصة المصلحون من الأصحاب، تواصل خلطكم هذا تعمية و ضباب، ولن يستقبل إلا بالاستهجان والاستغراب، واعتبروا هذه المضمون رسالة عتاب. أما المخالفون فندعوهم أن لا يسلطوا على أخوتهم الذباب. ويبقى الباب مفتوحا للرأي المخالف إذ لا مناص من الاستماع إلى كل ناقد والرد عليه بما يناسب من الجواب. "

كانت هذه فقرة حملت معنى مما ورد في عريضة الأصحاب، التي وجهوها لرئيسهم شن. ..

يتبع..

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق