السبت، 9 يناير 2010

صنوف الأحياء تواجه صروف الحياة

بقلم: مسعود جبارة

صنوف الأحياء تواجه صروف الحياة
باللامبالاة، بالموالاة، بالمعاداة أو مع المساواة


أزعم أن الواحد منا، في تصرفاته و سلوكياته، سواء في معالجة أموره الخاصة، العائلية و المهنية، أو في تعامله مع الشأن العام، لا يخرج عن أحد الأصناف التالية. و أزعم أن هذا التصنيف ينسحب على الأحزاب و الجماعات كذلك.
فهو إما أن يكون:
1- "امْـدنْـكِسْ": أي ذليل و رأسه منكّّـس، كما تنكّس البلدان الأعلام، في المناسبات الحزينة و المآتم العظام. فهو الذي يطأطىء الرأس دائما، أكان قاعدا أم قائما. دلالة على استعداده للقيام بتنازلات، أمام أي صعوبات، حتى بدون ضغوطات. هي حالة تعبرعن نفس إما منطوية حزينة، أو استنفدت كل ما في الخزينة، و ترغب في الركون الى الزينة. فلم تعد بالصبر تتجمل، لطول عهد فاق كل تحمل، أو هي منكسرة، و طموحاتها منحسرة، تقبل بالذل و الهوان، و تجد فيه شيئا من الراحة و الإطمئنان، و لا ترى في الإستسلام للواقع أي خذلان. وسياسيا هذا الصنف هو جزء من الموالاة، إما توظفه أو تسلمه بطاقة الوفاة!

2- أو "امْغـنْـفِـسْ": أي منغمس غاطس، و منهمك منهك. و هو الغارق في شغل استهلك كل طاقته، فلم يعد يعي بما يجري حوله أو في ساحته، و هوعادة ما يأخذ وضع الركوع، (أي منحني أو "مطبس") أو الجلوس في خنوع، مكوّر الظهر على الضلوع ( و شكله "امْتَرْفِس" أو مقرْفِص ). و هذا حال أغلب الناس، وعامتهم بالأساس، يلهثون ليلا و نهارا وراء لقمة العيش، و يرون أن غير ذلك هو ملهاة و طيش، لا وقت لأحدهم يخصصه للتفكيرو التدبير، و المشاركة في الإصلاح أو التغيير. و من يغرق منهم في الأوهام أو الأحلام، فلا أثر له في الواقع إلا كما تفعل الأصنام و الأزلام. فهو من حزب اللاّمبالاة، لا يتابع الأحداث ولا تعنيه نتيجة المباراة !

3- أو "يرفس": و يتفلسف: و هذا أزاء أفعاله، ينقسم الى قسمين:
• الأول "يغفّس" أو يعفّس، و يدُوس من يسُوس، إذ هو يحاول الفعل والكد، و لكن لاعقل له كي يجتهد. غالبا ما يكون مؤدلج، و لكن عقله بارد مثلج. فعمله لا يثمر، بل قد يكون مدمّر، لأنه عمل مقلوب الأولويات، متداخل المراحل و الإتجاهات، فلا يؤدي الى نتيجة، و لا يؤوي الى وليجة. تراه منتفخ الأوداج، إذ يعتقد أنه لغيره لا يحتاج. هو دائما متوتر، مزاجه معكّر، و جوّه مكدّر. هو متعطش للدماء، و في تحركاته يخبط خبط عشواء. فقليلها صائب و كثير منها يجلب المصائب. و ينتمي عادة الى جماعة الجمود و التشدد و المغالاة، من يهرول الى العنف و التقتيل و المعاداة، ينزع اليها بإجحاف، بدل الحوار و التسامح و قبول الإختلاف.
• و أما الثاني، فلأنه مفلس فهو (امْـطـنِّـشْ). لا يهتم بما يدور حوله، حتى و إن طلب منه فيه قوله، أو إن تناهى الى سمعه، ما يعنيه مباشرة و ما أذرف دمعه. و هو يفعل ذلك عن وعي، و لا يبذل إليه أي سعي. فموقفه هو التجاهل الدائم، و ردّ الفعل عنده غير وارد و لا قائم. و هو موقف يقوم على أن المسائل سهلة، والتنفيذ أسهل ولكن يحتاج الى مهلة. و فلسفته تقول: طنش، تعش، تنتعش. لا تضايق نفسك وتهتم بالأنام، هم لا يستحقون أصلا الإهتمام، و لماذا تهتم بشخص لا يستحق، و به لا يمكن أن تثق. أول ما تستكين اليه و تعطيه ظهرك، يطعنك بسكين ترسلك الى قبرك. و أنه أولى لك أن تترك الذي قد يجرحك أويهينك، الى ما يذهب عقلك و على نسيان همومك يعينك. و هؤلاء هم جماعة المسكرات، و حزب "الزطلة و الشيخات".

4- أو هو كيِّــس : وهذا النوع الرابع، هو الصنف الرابح، ذو العقل الراجح. فانتصاب القامة، و ارتفاع الهمة و الهامة، هو الوضع الطبيعي لكل كائن حي. فهذه الوضعية، هي السوية، و ليس كمثلها شيء. فهي تسمح لكل جسم بإمكانية الحركة، تقدما أو تقهقرا لحسم المعركة. وضعية تسمح له بالجري، أو بالركض أو بالمشي، أو التوقف للإستراحة، إن دعت الحاجة. كل ذلك تبعا لما يصدر اليه من الدماغ، من الأوامر أو النواهي بعقل واع، يأخذ بعين الإعتبارات، المبادىء و المصالح وآخر المستجدات. و إلى هذا تنتمي أحزاب العدالة والتنمية و الإصلاح والشورى و المساواة.

فهل يستقر المرء على نفس الوضع، أم ينتقل في يومه بين الأربع ؟ يصبح كيّس، ثم يمشي و يعفس، كي يمسي منكّـس !
--------------------------

الكلمات التي أوردت بين ظفرين هي من اللهجة العامية الدارجة في بعض جهات تونس، و قد يكون أصلها بربري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق