السبت، 9 يناير 2010

قرية وادي السدر: موقعها الجغرافي و السكاني، وتاريخها، عمارة و تجارة

بقلم: مسعود جبـــارة موقعها: وادي السدر هي قرية ريفية تقع في الجنوب الشرقي للبلاد التونسية على مسافة العشرين كيلومترا جنوب شرق مركز ولاية مدنين، (و تتوسط قريتي حسي عمر و بوحامد ) على الطريق الرئيسية رقم واحد الرابطة بين مدنين و مدينة بن قردان القريبة من الحدود التونسية الليبية. تاريخها: يعود تاريخ استقرار بعض القبائل بالمنطقة الى ما قبل منتصف القرن العشرين، غير أن البداية الحقيقة للقرية كانت مع بناء أول مدرسة إبتدائية بها سنة الف و تسع مائة و إثنين و ستين 1962 مما نتج عنه توطين بعض القبائل الرحل حواليها و إنتقالهم رويدا رويدا من الحياة الرعوية و التنقل في طلب الكلإ الى حياة الإستقرار و فلاحة الأرض و غراسة الأشجار المثمرة و بناء المنازل القارة من الحجر بدل الخيام الشعرية أوالأكواخ التقليدية التي تبنى أساساتها من أعواد الشجر الغليظة ثم تغطى ببعض الأعشاب القصبية(الصبط). المدرسة الإبتدائية: فتحت المدرسة أبوابها في شهر أكتوبر لسنة الف و تسع مائة و ثلاثة و ستين بقسم واحد للسنة الأولى إبتدائي و به حوالي الأربعين تلميذا قسموا الى فصلين: صباحي للمتساكنين القريبين و بعد الظهر للبعيدين و الحق به مسكن متواضع للمعلم و محل منفصل صمم ليكون مرحاضا غير أن وظيفته تحولت بعد ذلك ليصبح مطبخا و مطعما لتقديم وجبات الحليب الساخن الصباحية. كان دقيق الحليب يأتي في أكياس كتب عليها :مساعدة من الشعب الأمريكي- ليس للبيع أو المبادلة- ثم يغلى في الماء ليقدمه العم بلقاسم بن سعد العباسي حارس المدرسة و القائم على نظافتها للتلاميذ الذين كانوا قد قطعوا راجلين الأميال العديدة ليصلوا الى المدرسة قبل الساعة الثامنة. الميـــــــاه: بنى التلاميذ لاحقا في ساحة المدرسة فسقية أي حوضا لمياه الشرب، و ذلك لعدم توفر المياه الجارية، ويجلب لها على ظهور الحمير ما يجود به بعض المتبرعين ما جمعت مواجلهم من مياه الأمطار أو من البئر الشهيرة القريبة من هناك. تسمى هذه البئر بحسي جلبانة و هي بئر عمومية حفرت على عهد حكم البايات و لذلك تسمى كذلك ببئر "الباي ليك". كانت لها شهرة لدى القبائل المجاورة لعذوبة مياهها الغزيرة فكانت تردها من مسافات غير قريبة لجلب مياه الشرب و سقي الأغنام. يروى أن هذه البئر كانت مباركة على كل من وردها، فمياهها مقبولة الملوحة، غزيرة تتدفق بلا انقطاع، رغم الزحام الدائم عليها ليلا و نهارا. كان عمقها نحو عشرة أمتار و كان قطرفمها الذي يصل الى نحوأربعة أمتار مفتوحا دائما لاستقبال المزيد من الضيوف. و كم سقط في قاعها من الرجال و أخرجوا و لم يصب أحد منهم بأذى. تقع البئر على حافة الطريق و الى جانب واد جاف في أغلب الأوقات الا في فصل الأمطار الغزيرة أو الفيضانات و الذي لم يكن ينبت فيه سوى شجر السدر الذي يثمر النبق قبل أن تشتغل فيه يد الكد و الجد لأهل القرية بغراسة أشجار الزيتون المباركة و أشجار التين و غيرها. السكـــان و التركيبة القبلية: لا يتجاوز عدد من يقطن قرية وادي السدر بضعة الاف، تنقسم الى ثلاثة قبائل رئيسية و بضع عائلات أخرى قليلة العدد. القبيلة الأولى: العبابسة (جمع العباسي) و يعتقد على نطاق واسع أنها تنحدر من الجبل القريب من قرية البئر الأحمر الواقعة بين مدنين و تطاوين و التابعة الى منطقة غمراسن حيث كان هؤلاء حتى سنوات الخمسينات و الستينات من القرن العشرين يرجعون بالنظر في تسجيل الولادات و الوفيات الى شيخ القبيلة القاطن هناك. و من الألقاب الفرعية المعروفة لهؤلاء -الى جانب العباسي-الدائمي و عبد الدائم و فاهم و علة و الزروقي و الغمد... و تتركز الكثافة السكانية للعباسي الى شمال غرب قرية وادي السدر حول مكان يبعد حوالي الميل عنها و كان به كتاب لتحفيظ القرآن و يسمى الزاوية، مر به أغلب الذين التحقوا بالمدرسة الإبتدائية في بداية الستينات، و كان يقوم مقام المسجد الجامع أيضا قبل بناء المسجد الحالي الى جانب المدرسة. القبيلة الثانية: الخوالدية (جمع بن خالد) و يرجع أصلها الى أولاد خليفة من قبائل التوازين التي تقطن أغلب فروعها جهة بن قردان. و يلحق لقب ثامر أيضا ببن خالد. و يقطنون الى جنوب القرية. القبيلة الثالثة: أولاد سعيد (السعيدي) و هي إحدى فروع أولاد حامد و يلحق بها أيضا ألقاب تيتي و الصكلي. من القبائل الصغرى أو العائلات الأقل عددا تجد ألقاب البريني و المليان من قبيلة مزطورة في جنوب شرق القرية و لقب الجراي أو الرماش التي يعود الى قبيلة الملالحة(جمع الملاحي) الى الشرق ثم لقب جبارة و الجري و مانيطة الذين يسكنون الى غرب القرية على الطريق الفرعية نحو أرياف هيمان و هؤلاء هم فروع أو إمتدادات لعائلات معروفة في بن قردان. يبدومما ذكرت أعلاه أن كل من أوردت كانوا قد نزحوا قديما من أماكن شتى و استوطنوا هذه الجهة بعد أن استلموها شراء أو مغارسة أو حيازة من قبائل مدنين و التي لم يبق منها سوى بعض العائلات مثل كسيكسي و الحجاجي و الناصر و القاسمي و المريض. التربية و التعليم و التثقيف و الموارد البشرية: تنادى ثلة من وجهاء القرية و أعيانها رغم أميتهم الى الإلتقاء على أهمية التعلم و نشر العلم في أوساط الصغار كما الكبار. تكونت لجنة لبناء المسجد الجامع بالقرية برئاسة الحاج المحجوب جبارة و عضوية الحاج علي بن خليفة، و أبو بكربم محمد العباسي و الحاج ضو بن عبداللطيف، و الحاج ابراهيم بن خالد، والحاج محمد ثامر و الحاج عون الجراي. و تم بناء الجامع في نهاية السبعينات ثم المئذنة و على مراحل بتبرعات الخيرين و أهل الجود و الكرم. و كانوا اسأجروا الشيخ الفقيه الحاج الطاهر قدور مؤدبا يحفظ القرآن الكريم لأبنائهم و مربيا فاضلا لهم و إماما للمسجد و خطيبا و قائما على دروس الفقه الأسبوعية للجميع.(إن خير من استأجرت القوي الأمين). أشرف على إدارة المدرسة مربون أفاضل أولهم كان سي علي المرزوقي(من قبلي)1963، ثم تناوب عليها الأفاضل سي الطاهر الجويلي و سي الجليدي اللافي (من بن قردان) و سي المبروك الكواصي و سي الطيب بوعائشة و سي محمد بن يامنة (من مدنين) و اشتهر هذا الأخير رحمه الله بعدها كخطيب في جامع الحمايدة بمدينة مدنين، ساهموا كلهم الواحد تلو الآخر، إضافة الى المهمة التربوية، في تطوير المدرسة بإضافة فصول أخرى و تنظيف الساحة و تسييجها و غراسة الأشجار بها. و تخرجت أول دفعة من مدرسة واد السدر في شهر جوان 1969 حيث نجح 25 من 27 تلميذا في شهادة الإبتدائية و الإنتقال الى المعهد الثانوي بمدنين و حققت المدرسة الى جانب هذه النتيجة الإستثنائية تفوقا آخر إذ كان للتلميذ مسعود جبارة الترتيب الثاني على الولاية (مدنين\تطاوين) كلها في هذه المناظرة الوطنية. و لا تزال الأجيال تتتابع ذكورا و إناثا و النجاحات تتلاحق حتى كان من خريجيها العشرات من المهندسين و الجامعيين و أساتذة الثانوي و المحاسبين و المعلمين... العمــــارة: بعد فتح المدرسة أبوابها سنة 1963، و تقاطر التلاميذ عليها، كان لا بد من توفر بعض الخدمات الضرورية لفلذات الأكباد و لمن يصطحبونهم. في سنة 1965 تشارك مؤدب الأطفال و التاجر المحنك الشيخ إبراهيم بن خالد مع المحجوب جبارة و أبناء سالم بن خالد في مشروع رائد يومها و هو بناء ستة محال تجارية متلاصقة، قبالة باب المدرسة و على الجانب المقابل من الطريق العام. كانت مساحة الواحد منهم ثلاثة في ستة أمتار، بالحجر و الجبس و هو مادة كلسية تخلط بالماء و تستعمل في إقامة البناء كرابط بين الأحجار المصففة. لإعداد مادة الجبس، أقيمت الأفران في المنطقة القريبة من حي الجراي حيث تتوفر مادته الترابية الخام و حيث يكثر شجر الرتم الذي به تسعر النار. و كانت مواد البناء هذه كلها محلية الصنع و تجلب الى مكان المشروع على العربات التي تجرها البغال. أما سقف البناء فهو على شكل قبو نصف دائري و يسمى بالكمرة. تم الإنتهاء من المشروع في مدة وجيزة حيث ساند العمال في البناء متطوعون كثر و كانت الإبتسامة تعلو وجوه الجميع و هم يتبادلون المزاح و النكت الملاح أو هم ينشدون "جبسك باهي و صاحبه يبغي الشاهي" و هم بذلك يستحثون في طلب المزيد من الشاي الذي كان يقدم لهم. إذ كان من عادة الناس أن تسارع الى الدعم و المساندة و التكاتف عند الحاجة في مثل أوقات البنيان و الأعراس و تسمى الرغاطة (أو الفزعة و هي نوع من العمل الإغاثي) ثم ينتهي العمل بوليمة تذبح فيها الخرفان و يقدم لحمها مع الكسكسي إكراما لكل من ساهم أو حضر. المــــتـاجر: إفتتح الحاج إبراهيم أول محل تجاري للمواد الغذائية وكان تميز ببيعه للتلاميذ ربع خبزة مع شيء من الفلفل و كان يضاهي في لذته يومها الأكلات الجاهزة التي انتشرت و اشتهرت بها محلات أمريكية هذه الأيام. و في فترة لاحقة حوالي أواخرالسبعينات أضاف إبنه محمد الى المحل التجاري خدمة الهاتف العمومي التي تدخل الى القرية لأول مرة. و في نفس السنة، إفتتح المحجوب جبارة محلا تجاريا مماثلا لكن ليوفر إضافة الى المواد الغذائية الأدوات المدرسية مع خدمة مجانية يوفرها ابنه لكتابة الرسائل الى المغتربين في مدن تونسية قريبة كجزيرة جربة أو في القطر الليبي المجاور أو قراءة ما يرد منها على أصحابها الأميين من الرجال و النساء و الرد عليها. كانت تجربة مثيرة جدا أن تحمل اسرار الرجال و النساء في سن العاشرة و أن لا تذيعها بل أن تدفنها داخلك الى الأبد.! ترك المحجوب التجارة سنة 1969مع موجة الإشتراكية للوزير بن صالح و الدعوة الى التعاضد للعمل على الجرار و لينقلب الحانوت في فترة لاحقة الى محل لإصلاح الدراجات. ثم التحق محمد و مصباح أبناء سعد بن عبد اللطيف بالتجارة أيضا، هذا النشاط المتقلب بين الربح و الخسارة. و أصبح في فترة متأخرة أيضا مركزا لتوزيع البريد. أما أخوهما الأكبر العم بلقاسم فقد تقاعد من العمل و القيام بشؤون المدرسة ليخلفه السيد خالد بن خالد. شبكات المـــاء و الكهربــــاء: لم تصل هذه الخدمات الى سكان وادي السدر الا بعد جهد جهيد من بعض وجوه القرية و رجالاتها و محاولات عديدة مع السلط الجهوية و شركتي المياه و الكهرباء رغم مرور خطي الكهرباء و المياه بالقرية في اتجاه بن قردان منذ 1964. تم ذلك في منتصف الثمانينات (سنة 1986 ) حيث تم بناء خزانين للمياه و مد القنوات لتصل الى المتساكنين على بعد ثلاث أميال.

هناك 4 تعليقات:

  1. bonjour
    c'est un documentaire très riche
    merci à celui ou ceux qui l'ont rédigé
    c'est très intéressant ce qui est dis là .
    il 'ya pas mal de choses que je savais pas
    et c'est une très bonne occasion d'en avoir une idée

    ( j'ai apprécié que mon père figure dans cet article )

    ( j'aurai aimer ecrire mon commentaire en arabe mais malhereusement mon Pc n'aps pa de lettre arabe sur le clavier)
    vive Oued esseder
    et l'ecole primaire oued esseder

    ردحذف
  2. أهلا و سهلا بك، و نورت الممدونة بمرورك و تعليقك بأي لغة كان. ابن وادي السدر:مسعود جبارة

    ردحذف
  3. ما شاء الله اول مرة اعرف وصف كهذا لمنطقة وادي السدر مشكور جدا

    ردحذف
  4. عمل مميز جدا يعطيك الف صحة ووصف دقيق لكل التفاصيل شكرا جزيلا

    ردحذف